فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: لا زلت أذكر الشريط الإخباري لقناة الأقصى الفضائية التابعة لحماس في غزة والتي كانت في كل يوم تنقل لنا –بالأرقام- أخبار شهداء القطاع الذين ارتقوا في مرحلة هي أقرب إلى اللا حرب واللا سلم.
كان ذاك الشريط محاولة إعلامية من حماس لتسليط الضوء على الضحايا الذين يرتقون يوميا بفعل حصار ظالم جائر فرضه الاحتلال على قطاع غزة وفي ظل تواطئ عربي ودولي لكسر إرادة غزة، ولم يكن سوى ذنب واحد هو أنها احتضنت المقاومة الفلسطينية المسلحة بمختلف فصائلها، ورفضت الانكسار للمحتَل في الوقت الذي تخاذل فيه القريب والبعيد عن نصرة القضية الفلسطينية.
ولم يكن كافيا حجم المعاناة التي يراها أهل غزة من ويلات الحصار لتأتيهم الحرب أيضا ثلاث مرات، ليصبح عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال 9 اعوام ماضية، أكثر من أ ربعة آلاف شهيد ارتقوا في حروب عسكرية، وغير عسكرية.
ليضاف إلى تلك الويلات فاجعة وفاة 3 اطفال في حريق نجم عن شمعة في منزلهم في مخيم الشاطئ في غزة ليفتح الأمر ملف الحصار مرة أخرى وبشكل أقوى هذه المرة.
شكلت هذه الفاجعة وسيلة مهمة لتسليط الضوء مرة أخرى على المعاناة التي يعيشها سكان القطاع و المعركة "الهادئة" التي يمرون بها طيلة أعوام الحصار، وكانت الصور التي نشرت لجثث الأطفال المتفحمة صادمة وأحدثت هزة عنيفة في أوساط المجتمع الفلسطيني، الذي اعتاد على أن تمر أخبار الحصار على قطاع غزة بهدوء، وبلغة الأرقام طيلة الوقت.
وبالإضافة إلى الرسالة القوية التي حملتها صور الأطفال والتي حملت بعدا واقعيا أكثر هذه المرة، وعلى الرغم من دخول الحصار في عامه التاسع على التوالي، إلا أن هذه المأساة كان لها معنى آخر، في ظل الضغط النفسي الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني في غزة جراء الحصار، وانعدام سبل توفير حياة كريمة، وفقدان الأمل في أي أفق سياسي قادم، خاصة بعد دخول القطاع في ثلاثة حروب سابقة لم تسفر عن نتيجة مادية ملموسة على ارض الواقع سوى أنها كانت تكشف في كل مرة حجم التواطؤ والتخاذل والمؤامرة على سكان القطاع، وهو الأمر الذي يدفع غزة للتوجه نحو حل واحد، وهو الانفجار.
وعلى الصعيد الآخر فإن البعض حاول استثمار المأساة وتوظيفها في مناكفات سياسية من نوع أقل ما يوصف به أنه غير وطني، على حساب صور الدماء والأشلاء، وكأنه كان ينتظر فرصة كهذه ليخرج كل ما في جوفه من كره سياسي دون مراعاة للظروف الإنسانية التي يعاني منها المحاصَرون، وفي محاولة مقصودة للفت الانتباه عن المسبب الحقيقي للمأساة وصاحب الجرم الأكبر وهو الاحتلال.
وفي المقابل كان رد الفصائل الفلسطينية في غزة على ما حدث قويا ووصفه البعض بأنه خارجٌ عن المألوف، وتسارعت الفصائل لتحميل المسؤولية إلى الجهات والاطراف السياسية التي تحكم الساحة الفلسطينية.
ومن بين الأمور التي كانت مثار جدل على مواقع التواصل الاجتماعي مقصد كتائب القسام بعد خروج عدد من عناصرها بكامل عتادهم العسكري وهم يحملون جثامين الأطفال في مسيرة حاشدة.
ففي الوقت الذي اعتبره البعض بأنه رسالة من حماس تحمل دلالات مهمة وهي أن المقاومة في غزة تعلم تماما أن الحصار فرض على الناس بسببها، وبأن الهدف من الحصار أولا وأخيرا هو كسر شوكتها والقضاء عليها، وهي في المقابل، ستكون وفية للذين تحملوا المعاناة والمأساة لأجلها، وستبقى تنتمي لهؤلاء الناس الذين تحدوا الحصار ورفضوا طعن ظهر المقاومة، اعتبرها بعض آخر محاولة من حماس للهروب من مسؤولياتها ونفي المسؤولية عنها أمام الشعب.
كما حملت هذه المشاركة غير المتوقعة من كتائب القسام في الجنازة رسالة أخرى هي أن الأوضاع في قطاع غزة على وشك الانفجار، ولم يعد هناك مجال لتحميل المدنيين ذنب المقاومة، وبأن المقاومة على صبرها، إلا أنها لم تصبر طويلا على هذا الظلم، وعند الانفجار ستكون الكلمة حينها فقط لهؤلاء المسلحين الذين تقدموا المسيرة، وهي كلمة محسومة منذ الآن عنوانها حمل السلاح.
أخيرا.. وبعيدا عن مناكفات الفصائل الفلسطينية وخلافهم السياسي، فإن من المهم أن نذكر دائما أن السبب الأول والأخير للحصار هو الاحتلال، وبأننا مهما اختلفنا على شؤون حكم القطاع سيبقى المسؤول الاول عن دماء هؤلاء الأطفال هو حكومة الاحتلال، إذ أنه وحتى لو سلم القطاع لجهة أخرى تحكمه غير المقاومة، وقدمت التنازلات، فسيبقى الظلم مستمرا وسيبقى الإنسان الفلسطيني مضطهدا ولن تنتهي هذه المأساة إلا بزوال الاحتلال تماما عن كل فلسطين.