نزار عز الدين
عندما تتحدث إلى امرأة أنصت إلى ما تقوله عينيها.. إن أجمل فتاة هي التي لا تدرى بجمالها. الحب هو أجمل سوء تقدير.. بين الرجل والمرأة ! لا قوة كقوة الضمير ولا مجد كمجد الذكاء. إذا أعقت الطريق أمام المستقبل فالنتيجة هي الثورة. ليس هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها.
ماذا أذكر أكثر.. هو صاحب الرسالة الإنسانية الأدبية والذي طبع نفيه 15 عاماً رواياته بالعمق والقرب من الطبقة المسحوقة.. هو من كتب تراجيديات ثورية تدعو للتمرد والحرية والرومانسية.. وظل مفتوناً بسحر الشرق.. وتُرجمت أعماله إلى جل لغات العالم المحكية.. باختصار يكفي أن أقول أنه هو فيكتور هوجو..
كم كنت متحمساً لأشاهد رؤية “توم هوبر” الموسيقية لرواية “فيكتور هوجو” العظيمة “البؤساء”, فبعد كل المديح النقدي خيل لي أنني سأجد رائعة سينمائية كروائع السينما الموسيقية الكلاسيكية.. وكم كانت خيبة أملي حين ساورتني نفسي على ترك المشاهدة منذ الدقائق الأولى.. فعلى الأغلب ليس في الفيلم غناء , بل كلام مقفّى تم تلحينه وأصوات تمثيلية بعيدة عن الموسيقية (إن استثنينا أماندا سيفريد وسامنثا باركس). ولا أدري لماذا يفترض “هوبر” مسبقاً أن كل من سيشاهد فيلمه قد قرأ الرواية ويعرف من قبل من هي الشخصيات فهو لم يعطيها أبعادها الحقيقية, ودخل إليها دون مقدمات أو تمهيد, وحتى تجاوز الكثير من التفاصيل على حساب استخدام الموسيقى! لذا فإن لم تقرأ الرواية أولاً فالأفضل أن لا تشاهد الفيلم الآن؛ لأنك لن تفهم الكثير منه عن حقيقة الرواية, فالفيلم لا يعدو كونه اسكيتشات موسيقية مجمعة مقتبسة من الرواية.. وإن لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية ستضيع عليك الكثير من الإحساسات الجمالية في نثر السيناريو كونه لا شك سيبهت عند ترجمته.. وإذا كنت قد قرأت الرواية وتعرفها فاذهب لتشاهده كاستعراض لا أكثر, ولا تبحث كثيراً عن التشويق أو المتعة السينمائية.
“البؤساء” بنسخة “توم هوبر” فيلم جميل ومتصاعد دراماتيكياً ليصبح النصف الثاني ذو مستوى. لكنه ليس بصراحة من أفلامي المفضلة للعام 2012, ولا يتفوق في نظري على مواطنه البريطاني الآخر المقتبس كذلك عن رواية “آنا كارينينا” في شيء يذكر.. والأغلب أنني توقعت من كليها أكثر. ولا أرى الحفاوة التي يستقبل بها إلا من منظور دعم صناعة الأفلام الموسيقية التي باتت جد نادرة. وهو ليس أفضل من نسخة بؤساء “بيل أوغست” العام 1998, أو نسخة “كلود ليلوش” الفرنسية عام 1995. ومن الواضح أن النص قد قصّر حتى في إعطاءنا أسماء الشخصيات في حين أنه يقدّم لنا الأنغام التي لا أنكر أن بعض ما فيها ملفت بحق.. فيلم “توم” هوبر” الطويل الذي قد كيفه إلى الغناء توقعتُ منه أغنيات أكثر عمقاً وتعبيراً.. إلا أن معظم الأداءات كانت تبدو مرافقات صوتية للموسيقى في الخلفية, وأكثر من حاول الانسجام مع الموسيقى هما “آن هاثاوي” و”هيو جاكمان” اللذان أظهرا بالذات أداءات مميزة.. ورغم صغر دور “هاثاوي” في عدد المشاهد فهي الأجدر بأن تسمى نجمة العمل دون أي حرج, وكانت ملامحها ووجهها وعيناها تتحدث أبعد بكثير من الصورة والأغنية.. نعم.. وبناء على هذا بدأت مراجعتي بقول “هوجو” الأول أعلاه.
لمن لا يعرف “البؤساء” فهي حكاية “جان فالجان” (لعب دوره هيو جاكمان) الرجل ذي القوة الخرافية الذي سجن شاباً بسبب سرقته لرغيف خبز من أجل أخته الجائعة, وسبب ذلك له عشرات السنوات من العبودية والإذعان داخل سجن يديره مفتش ليس في قلبه رحمة يدعى “جافير” (أدى دوره راسل كرو). وبعد أن أمضى “فالجان” مدة محكوميته خرج بعد أن وقّع تعهداً بأن لا يعود لأعمال السرقة.. لكن هذه المرة أيضاً منعه الجوع من أن يفي بوعده فسرق فضيات إحدى الكنائس, إلا أن الراهب في الكنيسة -والذي التجأ فالجان إليه أولاً- رفض الإدعاء عليه بعد أن عرفه أنه السارق ليلقنه درساً في المحبة. مما قلب لـ”فالجان” حياته كلياً’ فقرر أن يمتنع عن الشر ويكرس نفسه للخير. وبعد سنوات من المجهود والتعب ومع اسم مستعار جديد, كسب “فالجان الأموال إلى أن امتلك مشغل خياطة كبير, ثم وصل إلى أن يكون عمدة “مونتريل”, وبقي “جافير” في المقابل يطارد شبحه دون أن يعرفه بعد هذه السنين. خوف “فالجان” من “جافير” تسبب بطريقة ما أن يتم طرد الخياطة “فونين” (قامت بالدور آن هاثاوي) وهي أمّ لبنت صغيرة تدعى “كوزيت” تخلى عنها والدها فأرسلتها الأم للعيش في منزل عائلة “تيناردييه” (قام بدوره ساشا بارون كوهين) حيث كانت زوجته (قامت بدورها هيلينا بونهام كارتر) تعامل الصغيرة كخادمة لهم. وبعد أن طُردت “فونين” لم تجد مكاناً تعمل فيه فتلفتها النساء السيئات وأجبرنها على أن تعمل عاهرة. وحين اكتشف “فالجان” الأمر اكتشفه بعد فوات الأوان.. فقد توفيت الأم تاركة له الصغيرة, وكان ذلك في فترة كشف فيه “فالجان” عن شخصيته الحقيقية ليمنع توجيه الاتهام عنه إلى رجل بريء.
وبدأت حياة الهرب من “جافير” فأخذ “فالجان” الصغيرة من عند “تبناردييه” لقاء مبلغ كبير من المال, ورباها على أنه والدها متخفياً لأمد بعيد. لكن الصغيرة كبرت (قامت بدورها وهي شابة أماندا سيفريد) وفجأة وقعت في حب “موريس” (قام بدوره إيدي ريدماين) وهو شاب ثائر على الظلم في المجتمع الفرنسي, وحين علم “فالجان” بالأمر خشي على نفسه وعليها وقرر الارتحال إلا أن ضميره عذبه فانضم إلى الثورة حماية لـ”موريس” لكن الثورة فشلت, واضطر “فالجان” لإنقاذ “موريس من الموت وإعادته إلى “كوزيت”, دون أن يكشف له أنه من أنقذه. وحين رأى “جافير” أن “فالجان” رجل طيب أصابته حالة ضياع شديد في أنه يلاحق شخصاً شريراً فقرر الانتحار. أما “فالجان” فقد قرر الارتحال ليترك “كوزيت” مع “زوجها إلى أن وافقته المنية.
بداية سأذكر أن “فالجان” في نظري هو الرجل الضخم القوي العملاق, لذا فلم أستطع أن أرى في “هيو جاكمان” هذا السمة, الجميل في الأمر أن “جاكمان” كان “جاكمان” فطغى بنفسه على الشخصية, والأبعاد المرسومة لها في القصة والتي هي بعيدة ربما عن مواصفاته الجسدية (التي سبق ووجدتها أنسب لـ”ليام نيسون”) جعلت الدور يبدو مضيئاً بمجهود شخصي على ما أعتقد منه. من جهة أخرى وكواحد من عشاق “كرو” فقد وجدته خارج الـ”مود” كلياً فلم يظهر لي أنه يناسب الشخصية إذ أن الطيبة التي تغمر وجه “راسل” لم تكن قادرة على طبع الشخصية بالقسوة المطلوبة. أما الأداءات النسائية فالأهم بها هو دور “هاثاوي” التي تقدم في مشاهد قليلة نفسها على أنها من الكبار, غير معتمدة على جمالها في ظل قصة شعرها وماكياجات الفقراء, وأكاد أشك في أنها الوحيدة التي قدمت الأغنية من داخلها وأحاسيسها’ ثم أجد “سامنثا باركس” التي أعطت شخصية “إيبونين” حساً عاطفياً. وسأثني على أداءات الصغار “كوزيت الصغيرة” (إيزابيل ألين) والفتى الثائر الصغير الشقي “غافروش” (دانييل هوتليستن) فقد أعطيا الفيلم نكهة رائعة. كذلك فالخضور الكوميدي لـ”هيلينا بونهام كارتر” و”ساشا بارون كوهين” قد قدما اسكيتشات طريفة مميزة.
أما على صعيد النص فالتركيز على الموسيقية والسجع أبهت القصة كثيراً كونه أفقدها العديد من التفاصيل واجبه الذكر, فلم نشعر بالشرر المتطاير بين “جافير” و”فالجان” ولا كيف نمى الحب بين “كوزيت” و”موريس” وثمة تفاصيل تم إهمالها, وأهم شيء أننا لم نرى البؤس الفعلي الذي يفترض بفيلم بهذا العنوان أن يرينا إياه. الأصوات كانت متفاوتة الجودة, فلم أستسغ مثلاً صوت “إيدي ريدماين”, والأغنيات كانت على الأغلب صولوهات فردية لا حوارية وهذا أنقص أيضاً من جمالية الحوارات, ولا توجد أية رقصات في العمل على الأغلب كنوع من إظهار الحزن. وأظن أن “هوبر” كان يعلم ذلك فسبغ على فيلمه أداءات تمثيلية جيدة, فضلاً عن الصورة المبهرة التي تجلت في الأزياء المثيرة, وتصفيف الشعر والماكياجات ومونتاج الصورة.. هذه العوامل بالذات جعلت النصف الثاني من الفيلم جميلاً بشكل ملحوظ ومتفوق على النصف الأول.
“البؤساء” رواية تتفوق بدرجات على موسيقية “هوبر” ولم يكن ممكناً أن تحطيها ساعاته الاثنتان ونصف.. هو فيلم لطيف تستلذ به كصورة, ويقنعك لونياً على الأقل.. لكنه لا يشبه البؤساء الحقيقيين في صميمه.
[video ]http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=EkHHHUk8RCw[/video]