شبكة قدس الإخبارية

لم تكذب كلمات القيق لتميته

هنادي العنيس

لا أعلم حقاً ما الذي ينتظره الجميع، أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً، حتى البقعة التي أخذوك منها لا أعرف رائحتها، وإن رمتني أقداري يوماً هناك، سيسألني كل ما فيها من أكون؟ وعليك أن تدرك مدى صعوبة هذا السؤال، لأني لا أجيد الإجابة عليه كما المفترض.

لا أفهم جيداً ما الذي يعنيه أن تعتقل دون إنذار، وأن تكون كلمتك الصغيرة جُرمٌ كبير في حق من يغتصبون على الملأ هويتك.

أمام المارة، بضمير بارد، وكاميرات لا تعرف كيف تطفئ في اللحظة المناسبة، وثقت كل شيء معك، حتى صوتك الذي خرج متقطعاً، تارة يغيب في شهيق يخيل لي أنها اللحظة الأخيرة لك، وتارة يفقدك الألم القدرة على البقاء مستيقظاً، فتأخذك الغيبوبة منا ساعات طوال، لا صوت، لا حركة، لا أحد هنا، لا صراخ نسمعه هناك.. ما الذي يحدث بحق السماء؟

متى من المفترض أن يخرج العالم عن صمته؟ أن يفهم أصحاب العقول المستريحة والضمائر النائمة، الأطفال الصارخون: أين أبي؟، أن لا أحداً هنا.. وحنظلة الذي تحرك كثيراً دون أن يكشف عن وجهه، صامتٌ هذه المرة أيضاً.

قليل من التظاهرات، كثيرٌ من الغضب، وقت نوم طويل، لحظة حاسمة مرة أخرى.. هل لمسك الموت لتعرف كم من الظلم أن تموت وحدك! يا الله..

أن تموت وحدك ووطنك الذي كانت عروقك تبرز وعيناك تدمع بينما كنت تصرخ بأعلى صوتك “أفديكَ” لا يستطيع الوصول إليك هذه المرة، ينتظر معك أن يقول أحدهم كلمة الحق، كلمة الله الأولى.

بحق الأم التي ماتت ألف مرة على ابن قرر أن يخبر العالم بصوته الواثق ذات صباح: “شعبي ليس بخير، وما يحدث هو انتفاضة حقيقية هذه المرة.”

لتصبح هنا كل الكلمات.. أسلحة!، لأن الحقيقة الوحيدة التي يراها الله أيضاً، ليس من حقك التفوه بها على الملأ!

أنا لا أجيد الكتابة لأولئك الذين ماتوا لتعيش كلماتهم، لقد مت ألف مرة يا محمد وأنت تخبر الجميع بخياراتك، حرية أو شهادة.

لا أعي ما الذي من المفترض أن يحدث أكثر من كل هذا، في غرفة كلها أنين، شبابيك لا ضوء لها، باب يتقن العبرية جيداً، مستشفى على أرض فلسطينية، ملامحك العربية تعرفها..

سيخبر محمد الله عن كل ما حدث، سيخبره أنه كان ينتظر الليل الطويل وحده، يتذكر تلك التفاصيل وحده، يستيقظ ليتألم وينام بعد أن أكل الألم الكثير من صبره وحده، يسقط مرة أخرى في ألم جديد، وحده أيضاً!

كان يحاول أن يخبر نفسه أن هناك أملاً قريب، ربما ضمير يستفزه الواقع المرير، أو سلطة انهت صلاةً لتوها وانتفض الوطن فيها لتصرخ بصوت يسمعه الجميع: لم تكذب كلمات القيق.. لتميته!

صراخ القيق يحاصرني، ترجف أطرافي الباردة، لا أشعر بشيء مني، كل ما بي تخدر، أو أنني فقدت أطرافي دفعة واحدة وأنا آكل أصابعي، اصبعا اصبع، أبكي ولا قدرة لدي لمواساتي..  بحق الأرض المقدسة، الإنسان وحقوقه وحريته، الضمير وما تبقى منه، لا تقتلوني ببطيء وهو يصرخ، لا تفعلوا بنا هذا مجدداً، ليس الآن، ليس هو، لا أحد. توقفوا، أرجوكم!

قد أكون بالفعل لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لكني أكيدة بأني لا أستطيع أن ألتزم الصمت أيضاً.