القدس المحتلة – قدس الإخبارية: من النتائج المباشرة للهبة الشعبية الجماهيرية المتواصلة، منذ أكثر من مئة يوم، أنها أربكت حكومة الاحتلال، وقلبت حسابات أجهزته الأمنية، وأدخلت المجتمع الإسرائيلي في مأزق وحالة من الخوف والقلق والهستيريا والاضطراب النفسي، حيث وصلت الأمور بمستوطني الاحتلال التصور بأن ظلهم يحمل سكاكيناً، وكذلك هو الحال بجنود الاحتلال.
هذا الواقع الجديد وفشل حكومة الاحتلال في كيفية التعامل مع هذا الواقع وإخماد جذوة الانتفاضة المتواصلة والمستمرة، دفع بها الى سن قوانين وتشريعات واتخاذ قرارات مغرقة في العنصرية والتطرف ومتعارضة ليس فقط مع حقوق الأطفال، بل مخالفة لكل القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الطفل..
فما يسمى بوزيرة العدل الصهيوني المتطرفة والعنصرية "شاكيد" سنت قوانين وتشريعات تشدد العقوبات على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة من الأطفال تصل الى عشرين عاماً، وكذلك شرعت الإعدامات الميدانية بحقهم، تحت ذريعة تهديد حياة رجال الأمن والشرطة والجيش والمستوطنين الإسرائيليين...
ولم تقف الأمور عند هذا الحد حيث عمدت المتطرفة "شاكيد" الى سن قوانين تجيز اعتقال الأطفال من هم دون الرابعة عشرة ومحاكمتهم، ومن الأمثلة على ذلك المحاكم المتواصلة للأطفال علي ومعاوية علقم(11،13) عاماً، كذلك الطفل احمد مناصرة (14) عاماً، والذي رأينا ما تعرض له من ترهيب وتخويف وتهديد في مقطع الفيديو المسرب من محضر التحقيق معه من قبل محققي الاحتلال في مركز تحقيق المسكوبية "المسلخ"، لحمله على الاعتراف بأنه شارك إلى جانب ابن عمه الطفل الشهيد حسن المناصرة في عملية طعن أحد المستوطنين، وتمديد اعتقال الطفلين محمد ويوسف الشويكي وغيرهم من أطفال شعبنا.
ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن اعتقال واحد او اكثر من أطفالنا على يد قوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية بحجة حيازتهم لسكاكين او مفكات او شفرات او مقصات في إطار محاولة إرهاب اطفالنا وترويعهم وكسر إرادتهم وامتهان كراماتهم عبر تفتيش مذل ومهين وحاط بالكرامة الإنسانية، حيث يتعمد جنود الاحتلال الاستفزاز والتنكيل بالأطفال الذين يجري تفتيشهم، ولا غرابة انه مع بداية الهبة الشعبية قبل مئة يوم بأن عدد الأطفال الذين جرى اعتقالهم قد تجاوز (860) طفلاً، منهم (105) اعمارهم من (7- 14) عاماً، وقد أحسن صنعاً اهل العيساوية عندما جلبوا معهم الى مقر شرطة صلاح الدين وحفاضات وحليب كخطوة احتجاجية على اعتقال الطفل مجد عبيد (8) سنوات، الذي جرى اعتقاله أمس السبت 9/1/ 2016 مع الطفل محمد بدر (12) عاماً بحجة وذريعة رشق الحجارة على قوات الاحتلال في بلدة العيساوية...
هذا قمة الإرهاب يا من تدعون محاربة الإرهاب، هو إرهاب دولة منظم بحق أطفال عزل لا تجيز لا القوانين ولا الشرائع السماوية ولا الدنيوية اعتقالهم او محاكمتهم، ولكن في عهد وزمن "تعهير" القوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية والانتقائية في تطبيقها، وتوفير الحماية لإسرائيل من قبل أمريكا والغرب الاستعماري في المؤسسات الدولية من مجلس حقوق الإنسان إلى مجلس الأمن الدولي فالجمعية العامة وغيرها ضد أي قرارات او عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها كنتاج لتطاولها وخرقها الفاضح للقانون الدولي والدولي الإنساني الخاص بحماية الأطفال، يثبت بأن هؤلاء شركاء لدولة الاحتلال في الجرائم المرتكبة بحق أطفالنا، هؤلاء الأطفال الذين يجري اعتقالهم بطرق وحشية إما من خلال انقضاض وحدات القوات الخاصة ووحدات ما يسمى بالمستعربين عليهم في الحارات والشوارع أو اختطافهم من أبواب وداخل مدارسهم، حيث يتعرضون للضرب المبرح والتنكيل بهم قبل وصولهم الى مراكز التحقيق، أو اعتقالهم في ساعات الفجر الأولى من النهار خلال عمليات ترويع وتخويف وترهيب، حيث يتم محاصرة منازلهم بقوات مدججة بالسلاح، أغلبها مقنعة الوجوه، تعمد الى التكسير والتحطيم والتفجير لأبواب البيت المقتحم، بالإضافة الى الاعتداء على أفراد أسرة الطفل المعتقل بالضرب وتوجيه الشتائم والكلمات والعبارات البذيئة لهم، وأحياناً يتعمدون ضرب الطفل امام عائلته ووالديه، إمعاناً في الإذلال والإهانة.
أما في مراكز التحقيق فهناك تمارس معهم كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي دون مراعاة لكونهم أطفال، وفي كثير من الأحيان لا يسمح لوالديهم ومحاميهم بمرافقتهم في التحقيق، بل يجري تهديدهم بجلب أمهاتهم او اخواتهم الى مراكز التحقيق، وغالباً ما يجري تهديدهم بالاعتداء الجنسي عليهم، أو على أحد أفراد أسرهم.
والأطفال الذين يبقون في المعتقل او الأطفال المفرج عنهم بشروط الحبس المنزلي او الإبعاد عن منازلهم الى مناطق وبلدات أخرى، يترك ذلك عليهم الكثير من الآثار النفسية والسلوكية والاجتماعية، سواء لجهة الخوف والفزع من الجيش والمخابرات، أو القلق الدائم وعدم النوم بشكل طبيعي وحتى التبول اللا إرادي، وكذلك ربما يصبح الطفل انطوائيا لا يحب مخالطة الناس والأصدقاء، أو التسرب وخسارة المدرسة، أو التوجه نحو سلوكيات اجتماعية تأخذ طابعا انحرافيا، ناهيك عن أن الطفل المسجون منزلياً، يجعل من كل العائلة رقيباً عليه، لكي لا يخرق شروط الحبس المنزلي، وهذا بحد ذاته حبس جماعي للعائلة بأكملها، وما يخلقه من ضغوطات وتوترات اجتماعية ونفسية.
نحن نعرف ونعلم جيداً بان المجتمع الدولي لم ينصف شعبنا منذ ثمانية وستين عاماً، حيث نكبته ما زالت مستمرة، وما زال أكثر من نصفه يعيش في مخيمات اللجوء في ظروف تفتقر إلى أدنى شروط الحياة الإنسانية، فالقرار الأممي (194) الذي أكد على حقه في العودة الى دياره التي طرد وشرد منها قسراً على يد العصابات الصهيونية آنذاك، لم يجر تنفيذه بالمطلق، بل كثير من دول الظلم والاستكبار تتآمر على هذا الحق لكي تفرغه من مضمونه أو تنجح في إلغائه.
واليوم تحت سمع وبصر كل المؤسسات الحقوقية والإنسانية، وكل من يدعون الدفاع عن حقوق الطفل والإنسان، ممن يسمى بالعالم الحر، تجري انتهاكات صارخة بحق أطفالنا على يد حكومة الاحتلال وجيشها ومستوطنيها، من حيث الإعدامات الميدانية ،وعمليات الاعتقال الوحشية لهم، وما يتعرضون له من تعذيب نفسي وجسدي في مراكز شرطة وتحقيق الاحتلال، وما يتركه ذلك عليهم من آثار نفسية واجتماعية ترافقهم لفترات طويلة وقد تكون دائمة.
هؤلاء الأطفال يجب توفير الحماية والرعاية لهم، لكي يعيشوا حياتهم ويلتحقوا بمدارسهم، أسوة بباقي أطفال العالم، لا أن يتصيدهم جنود الاحتلال بالقنص، أو الاعتقال والضرب والتفتيش المذل والمهين.