كيف تقرأ كتابا صدر عن صحفي اسرائيلي يروي مشاهداته خلال سنة كاملة قضاها بين جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ يبدو السؤال لامعنى له بادئ الأمر، إلا أنه كان السؤال الذي افتتحت به حوارية لنقاش كتاب " لتعلم كل أم عبريّة: جيش الدفاع الجديد "، وجهه المحاضر الأستاذ خالد عودة الله- وهو باحث في العلوم الاجتماعية وفلسفتها- واضعا الاجابة فيما بعد في نقطتين رئيسييتن.

الأولى أنه يجب التعامل مع هذا الكتاب كوثيقة استعمارية كتبت من داخل الجسم الاستعماري ومن أجله، والثانية: هو ماذا سأفعل بهذه المعرفة؟ ويستدرك، إذا لم يكن ثمة مشروع مستعد لتلقي هذه المعرفة والاستفادة منها فيما يخدم عملية ضرب نقاط ضعف الاستعمار، فان المعرفة تغدو عبثا لاطائل من ورائه تماما كمن يشاهد فلم رعب.

وتطرق عودة الله إلى نموذجين داخل الكيان الاستعماري الاسرائيلي، وهما نموذج "دانييل" الصحفي الذي يحرض باستمرار على العمل العسكري ويدافع عن جيش الاحتلال. وهناك نموذج الصحفية "كرميلا" التي تتبع فضائح الجيش ويعلق عودة الله بأن النموذجين يخدمان نفس الكيان ويعملان لتمتينه. وانتقد عودة الله مقولة : "اسرائيل جيش له دولة" معتبرا المقولة اختزالية تحرمنا من معرفة تفاعل مكونات الكيان من داخله وتبين هذه التفاعلات بغية الاستفادة من تناقضاتها، علما أن كل هذه المكونات تعمل تحت سقف كيان عسكري الطابع.

كما وتحدث عن قوات "الناحال" - (الشباب الريادي المقاتل) كما يعرفونه-، وما تعانيه هذه القوة وباقي القوات لاسيما القتالية منها من أزمات تتعلق بالتجنيد الاجباري الذي بدأ يتحول إلى تطوع، وجاء مشروع "الجندية المحتضنة" لحل هذه المشاكل وهو مشروع يحاول ان يجعل العلاقات الابوية هي ما تحكم منطق الجيش في التجنيد والتخفيف من العقوبة والحزم قدر الامكان وهي كلها بغية حل اشكالية فردية المجتمع الاسرائيلي.

وكثرت حالات التهديد بالانتحار في صفوف الناحال بوصفها وسيلة للتهرب من قسوة التدريبات والعقوبات، فيما تسيطر الهرمية على بنية الجيش حيث يخدم ابناء الطبقات العليا في الوحدات غير القتالية وذات السمعة الجيدة لاسيما الوحدة 8200.

ختم عودة الله بلفت النظر إلى أن الإسرائيليين يصدّروا مشاكلهم لنا من البضائع الاسرائيلية التي يعالجها استهلاكنا للفائض منها إلى الدور الذي تلعبه الأجهزة الامنية الفلسطينية. يذكر أن هذه الحوارية تأتي ضمن سلسلة "دراسات النظم الإستعمارية" التي تنظمها دائرة سليمان الحلبي، وهي دائرة بحثية في مدينة رام الله تهتم بدراسات الاستعمار و التحرر المعرفي.