شبكة قدس الإخبارية

قراءة فلم: Cloud Atlas – 2012

هيئة التحرير

عبد الرحمن الخوالدة

حياتنا لا تنتمي لنا, من الرحم إلى القبر نحن متصلين بالآخرين, في الماضي والحاضر. وكل جريمة أو كرم تُشكل مستقبلنا ..

تلك الخفية التي تسري فيها دقائق العمل والتي تطفو كسحابة تتلاعب فيها النسمات العاتية, لتسحبك بين صريرها إلى عوالم عديدة ومِلل لم تسمع بيه قبلاً, وأجناس تكاد أن تجزم أنها مخلوقات غير بشرية, تلك السحب التي كانت تسحبك تارة إلى الثقب الأسود الكائن في المجتمع الإنساني وفي أخرى تصعد بك إلى أن ترتقي إلى عنان السماء لتشهد مدى تَحمل تلك الإنسانية.

عند اجتماع المخرج الألماني توم تويكر _صاحب الرائعة اركضي لولا _ والمخرجين الأمريكيان اندي ولانا واشوسكي_صناع ظاهرة الخيال العلمي ماتريكس_ في تحرير احد النصوص التي تجمع مابين الخيال العلمي والدراما الإنسانية وجعل عملهم بمثابة الأحجية التي يتم تشكيل جُزيئاتها المترامية الأطراف في محاولة للوصول إلى هدف وحيد أوحد وهو, الترابط بين تلك العوالم, بين تلك الشخصيات, بين تلك ألأجناس, واختراق ما هو ملموس في ظاهرة لاندثار الأجساد, واندماج الأرواح في نهاية الأمر ..

سحابة الأطلس هو شبيه بفقاعة الهواء التي تجمع ذرات المياه بين جزيئاتها والتي في نهاية العمل تنفجر ناشره تلك القطرات على مخيلة المشاهد باعثه فيها النشوة والحرية وأجمل العبر والمعاني التي تسحره بلغة النقاء, لا أود الخوض في تلك القصاصات أو العوالم المنتشرة من مختلف الحقب والإرجاء, وادخل القارئ في سلسلة من السطور التي لا نهاية لحروفها, وبتأكيد تلك السمة تحسب لمحرري النص المتماسك والمصاغ بشكل متميز والذي يجعلك تمسك بطرف الذروة السردية منذ البداية و حتى يزفر العمل آخر أنفاسه في النهاية ..

 ما يجعل سحابة الأطلس عمل يستحق الحديث عنه والمشاهدة هي تلك السيطرة المهيبة على النص الملقى لنا ومع تعدد الشخصيات والأطاريح وحتى اختلاف طرق السرد, فأحداث العمل تنتقل من الدراما الإنسانية السوداوية إلى بركانية الإثارة ومنها إلى لمسة طفيفة من الكوميديا التي تبحث عن ملامسة شفتي المتلقي بكل رقَء .. في بداية مراجعتي وضعت أحد الحوارات المقتبسة من العمل , والتي شخصياً أجد أنها حاولت إن تصف تلك الأفكار التي حاول صناع العمل أن يقدموها, العمل يسرد قصة مجموعة من البشر الذين يختارون مساراتهم الخاصة وفي نقطة ما يكون عليهم الاختيار مابين اختيار سلبي لمصالحهم الخاصة أو اختيار ايجابي إنساني قد يؤدي بحياته, نلاحظ أن حياة شخوص العمل على المحك, بل هي عاجزة عن الاتصال الحقيقي بما يحيطونه أيضاً, ومن هنا حاول صناع العمل إضفاء تلك المشاهد المقربة على وجوه شخصيات العمل وخصوصاُ (العيون) في رمزية تبيح في الاتصال الحسي والإنساني والذي يتفوق على لغة الجسد والكلمات

في العمل تكاد تجزم أن كل شخصية هي محور للأحداث, ثم تنكمش تلك الشخصية لتصبح ذرة في مدار أضخم وأكثر اتساعاً, باعثة إننا مجرد قطرات صغيرة ينشأ من خلالها المحيط الإنساني, ومع تلك الأيقونة ستوقن إن المحيطات الهائلة الاتساع تتكون بـِ الأصل من قطرات واقصد الإفراد .. فكل قطره _فرد_ يمكن أن يؤثر في مسيرة شخص آخر سلباً أو إيجابا، فكل خطيئة أو حسنة نقدمها لشخص آخر ستأتي لحظة في الحياة لترد لك بشكل أو آخر, والتي يقدمها العمل بسلسلة من المشاهد المميزة والتي تخطف الأنفاس وتحرك المشاعر والأحاسيس ..

للحظة لم أصل أو أتوصل إلى الإيقونة الرئيسية والتي تشكلها مفرداتها الاسم الذي اختير للعمل, _فسحابة الأطلس _عمل يخوض بأكثر الجدليات البشرية وهي مصطلح _الحرية _ فيرتقي العمل بهذا المفهوم لكي يشبهَ بسحابة التي تتطاير في الأجواء والتي لا منزل ولا وطن تسكن بين أسواره, تلك السحابة التي لم تمل شخصيات العمل من الارتقاء بنظرة إلى السماء ومشاهدة تلك السحب لأنه الجزئية الحقيقية والملموسة في تلك العوالم الخيالية, السحب كونت معنى الحرية والأطلس كان يعبر عن تلك الشبكة من الخطوط التي تترابط فيها الإنسانية وتلك العلاقات التي في لحظة يمكنها أن تؤدي بحياة إلى القبر أو تنجب حياه من أعماق رحم القهر ..

_لسحابة الأطلس _ خفية جذابة ومتعه مترامية الإطراف تتسع فيها كافة المشاعر الإنسانية ففي لحظة تنطلق إلى رؤية البشرية في كل الأزمنة كحيوانات مفترسة تنهش لحم الضعيف منها وتقوم بـِ التهامه , وفي لحظة أخرى تشهد تلك الشفافية والبراءة وسمو الأحاسيس البشرية ومدى عظمة خلقتها ..

Untitled 4

سحابة الأطلس هو عمل يتحدث عن الحرية بِكل حرية وشفافية ومتعه لا مثيل لهَ, والبحث في تلك العلاقات التي تربط الفرد بالفرد, والولوج إلى  كل لحظة نعيشها يمكنها أن تغير في مسارب حياتنا وحياة من يتصلون بنا. في خاتمة المراجعة, أرى ان العمل قدم بشكل ممتاز ويستحق المديح بداية من مخرجيه ومحرريه والطاقم التمثيلي بقيادة الإيقونة السينمائية (توم هانكس ) والجميلة السمراء ( هالي بيري ) والذين قدموا مجموعة من الشخصيات التي كانت جد جميلة وتحمل بين طياتها العديد من الرسائل ألإنسانية ..