رام الله – خاص قُدس الإخبارية: بينما تصعد حركة المقاطعة الدولية نشاطاتها لعزل دولة الاحتلال وفرض الحصار عليها وعلى كافة الشركات المساهمة في الاستيطان وفي جرائم الجيش والمستوطنين، تقطع دول عربية الطريق على إنجازات هذه الحركة، فيبدو التناقض مؤلما عندما تمتثل شركات عالمية لضغوطات (BDS) ودعواتها، فيما تتجاهل ذلك دول عربية آسيوية.
أحد أبرز هذه النماذج شركة فيوليا (Veolia) الفرنسية، التي تعمل على تقديم خدمات بيئية في مجالات المياه وإدارة النفايات والطاقة والنقل، وتمتلك نشاطات تجارية كبيرة في مختلف مناطق العالم. وتعد هذه الشركة أحد أنجح الأهداف لحملات المقاطعة التي تستهدفها بسبب ضلوعها في مشاريع ونشاطات داخل المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، الأمر الذي يعد انتهاكاً للقانون الدولي وما أقرته الأمم المتحدة من حقوق للشعب الفلسطيني.
وبالإضافة لعملها داخل المستوطنات، فإن هذه الشركة تقوم ببناء وتشغيل خط الترام الذي يربط بين القدس المحتلة والمستوطنات المقامة في الضفة الغربية، بحيث ينقل المستوطنين بين المدينة ومستوطناتهم.
وكان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد ندد بالاستيطان الإسرائيلي ووصفه بأنه "انتهاك واضح للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة." بالإضافة لذلك، فقد أدانت القمة العربية عمليات الاستيطان بشكل واضح في مؤتمرها الذي عقد في الخرطوم عام 2006، وهو ما يلزم الدول الأعضاء بإدانة الجريمة الاستيطانية وتحاشي التعامل مع داعميها.
وبالعودة إلى فيوليا الفرنسية، فإن الشركة تملك سبعة خطوط للحافلات على طريق 443 المعروف بطريق "الفصل العنصري"، حيث يمنع الفلسطينيون من عبوره.
هذا بالإضافة إلى إسهام الشركة في مجال النفايات، حيث تعمل الشركة في معالجة النفايات التي تجمعها من 21 مستوطنة إسرائيلية في أراضي الضفة الغربية.
ولا تكتفي الشركة بجمع النفايات من المستوطنات بل تعمد إلى معالجتها عن طريق مكب توفلان الواقع قرب أراضي الفلسطينين في الضفة الغربية (في منطقة الأغوار)، وهو ما يؤثر سلبياً على صحة وبيئة الفلسطينيين، كما أدى لهجرات متتالية من المناطق القريبة من مكب النفايات بسبب تأثيراته السلبية على صحة المواطنيين.
هذا بالإضافة إلى إسهام الشركة الفرنسية في معالجة مياه الصرف الصحي لعدد من المستوطنات بما في ذلك مستوطنة "موديعين عيليت" المحاذية لجدار الفصل العنصري قرب رام الله.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت سلطات الاحتلال سابقاً في تعليق لها على القضية إلى الكف عن إلقاء جميع أنواع النفايات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كل هذه الأعمال وغيرها، أدت إلى إدراج اسم الشركة الفرنسية على قائمة المقاطعة للشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.وهو ما دفع الشركة إلى الإعلان عن نيتها إنهاء جميع عقودها في دولة الاحتلال.
وعلى الرغم من ذلك فإن الشركة تملك تاريخاً من التضليل فيما يتعلق بهذه المسألة. فبعد أن تسببت مساهمتها ببناء ترام القدس بحدوث ضجة حول نشاطها في فلسطين، ادعت الشركة انها قامت ببيع عقدها للخطين الذين يربطان المستعمرات الموجودة في شرقي القدس بباقي القدس، قبل أن يتبين كذب الشركة وأنها ما زالت تدير المشروع.
وقانونياً، فإن مسألة ملاحقتها تبقى قائمة حتى لو انسحبت من باقي المشاريع الإسرائيلية بالفعل، فنتائج هذه المشاريع المساندة للاستيطان ما يزال قائماً وملموساً ويساهم في توسيع المستوطنات وتهويد القدس بما يخالف القانون الدولي ويؤذي الفلسطينيين.
أبرز حملات المقاطعة ضد الشركة
نتج عن التغطية الإعلامية الواسعة لضلوع الشركة في مشروع خط الترام حدوث ردة فعل دولية كبيرة، شملت مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. أدى ذلك لاحقاً إلى إطلاق حملات مقاطعة دولية عديدة شملت الدعوة لسحب الاستثمارات من الشركة ومنعها من المشاركة في مشاريع مستقبلية.
وتكللت جهود هذه الحملة بالنجاح، حيث باعت عدد من الصناديق الاستثمارية الأوروبية أسهمها بالشركة بالإضافة إلى قيام صناديق سيادية في بريطانيا وفرنسا والسويد واستراليا بنفس الخطوة، وكذلك منع الشركة من المشاركة في العديد من المناقصات العامة في الدولة المذكورة.
ومن أمثلة ما خسرته الشركة فيوليا عقداً بقيمة 3.5 مليار يورو لإدارة مترو أنفاق مدينة ستوكهولم السويدية عام 2009. أما في لندن، فقد استثنيت الشركة من المشاركة في مناقصة معالجة النفايات في منقطة غرب لندن والتي كانت قيمتها 485 مليون جنيه استرليني.
ولحق ذلك قيام الصندوق الاستثماري لطائفة الكوكرز الأمريكية بسحب استثماراته من ثلاث شركات تدعم الاحتلال هي فيوليا و اتش بي و كاتر بلر في عام 2012.
وشهد العام 2013 نجاحات كبيرة لحركة المقاطعة الدولية في الولايات المتحدة ضد هذه الشركة. ففي شهر تشرين ثاني أزال أحد أكبر صناديق التقاعد الأمريكية ((TIAA- CREF الشركة من قائمة الاستثمار الاجتماعي للصندوق.
وفي الشهر ذاته أعلنت الشركة انسحابها من تزويد مدينة سنات لوريس الأمريكية بالمياه بعد أن شن تحالف واسع يناصر المقاطعة حملة عنيفة ضدها. وفي عام 2014 خسرت الشركة عقداً بقيمة 4.25 مليار دولار في مدينة بوسطن الأمريكية بسبب تعرضها لحملة مقاطعة كبيرة من النشطاء أثرت على قرار المشغلين.
عربياً، استثنت الكويت فيوليا من عقد ضخم لمعالجة النفايات الصلبة، قدرت قيمته ب 750 مليون دولار بسبب تورطها بمشاريع اسرائيلية مخالفة للقانون الدولية، بالإضافة إلى إصدار قرار كويتي بإبعاد الشركة عن أي صفقة يتم طرحها مستقبلاً ويعود الفضل بهذا الجهد إلى حركة المقاطعة الكويتية التي تم تأسيسها في 2013 برعاية جمعية الخريجين الكويتية.
لكن ما تزال الشركة تمتلك بعض الاستثمارات في دول عربية أخرى، مثل السعودية والإمارات وقطر. حيث تعمل هناك من خلال شركات محلية.
وفي عام 2013 وقعت الشركة عقداً تقدر قيمته ب 300 مليون يورو مع شركة مرافق الكهرباء والمياه بالجبيل وينبع لبناء مصنع لتحلية المياة. وتقدر عدد الصفقات التي وقعتها الشركة في السعودية من عام 2007 بحوالي 62 صفقة جلها في مجال معالجة النفايات وتحلية المياه وتوريد الطاقة.
أما قطر فقد اشترت شركة ديار التابعة للصندوق السيادي القطري للاستثمار قرابة 5% من أسهم فيوليا في عام 2010، وهو ما أتاح لها الحصول على مقعد في مجلس إداراة الشركة.
وفي الإمارات فازت شركة دلكيا التابعة لفيوليا باعتماد الإمارات في 2014، وهو ما يساعدها على التوسع في الدولة الخليجية. وخلال الأعوام ال 12 الماضية كانت الشركة صاحبة دور فعال في مشاريع عديدة في الإمارات كمطار أبوظبي وجزيرة السعديات وغيرها.