شبكة قدس الإخبارية

الإرهاب الفكري والديني في "إسرائيل"

هيثم فيضي

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: حقق كتاب أصدره حاخام يهودي في "إسرائيل" نسبة المبيعات الأعلى لدى الاحتلال، واحتوى الكتاب في ثناياه على تصريح بجواز قتل اليهودي لغير اليهود، الذين وصفهم الحاخام بالأغيار، "جويرم"، في حال شك اليهودي أنهم قد يشكلون تهديداً فعلياً أو محتملاً لليهود.

وحرص الحاخام على عدم استثناء الأطفال الرضع من فتواه، إذ أكد في كتابه على جواز قتل الأطفال بدافع الشك في إمكانية تهديدهم لليهودي.

ويشغل مؤلف كتاب "التوراة الحاكمة" واسمه اسحاق شابيرو منصب رئيس التطوير التنظيمي في مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي نابلس، كما يرأس مدرسة تلمودية فيها.

ويقول الحاخام، "لو قمنا بقتل واحد من غير اليهود بسبب خطئه او انتهاكه لإحدى الوصايا السبع، فلا ضرر في ذلك"، وقد ساق من الأدلة الداعمة لنظريته هذه ولتبريرها أمام متابعيه والقراء.

وتزامنت هذه الفتوى مع اعتقال شرطة الاحتلال مستوطنا إسرائيليا اعترف بقتله لاثنين من الرعاة الفلسطينيين في عام 2009. وكان هذا المستوطن والذي يدعى ياكوف تيتل، وهو مهاجر يهودي من أمريكا، قد اعترف بنيته قتل عدد من رموز اليسار اليهودي في الداخل المحتل. وهو ما دفع الشرطة لاعتبار اعتقاله انجازا هاماً لمكافحة الإرهاب اليهودي.

ويشهد مجتمع الاحتلال عدداً كبيراً من الفتاوى التي يطلقها حاخامات يهود بين الحين والآخر، والتي تعتبر رافداً أساسياً لعمليات الإرهاب اليهودية بحق الفلسطينين، والتي أخذت بالاتساع خلال الفترة الماضية لتعكس مدى الشحن الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي تجاه هذه القضية.

ويملك المستوطنون سجلاً حافلاً في ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين، فقد قام باروخ غولدشتاين على سبيل المثال بقتل 29 مصلياً في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994، متأثراً بالفتاوى التي أطلقها الحاخامات ضد الفلسطينيين والداعية لقتلهم. عدا عن تأثره بإجراءات الاحتلال القامعة للفلسطينيين والمحرضة عليهم.

ورغم ما تثيره هذه الفتوى بالتحديد من جدل كبير، إلا أنها تحظى بدعم كبير من قبل العديد من الحاخامات اليهود خاصة بما يسمى بالمعسكر القومي الديني والمدرسة الدينية التلمودية المعروفة باسم مركز "هرعاف".

ويبرز من بين الحاخامات الذين قدموا دعماً علنياً للفتوى هذه اسحاق غينسبورغ ويعقوب يوسف، وكان غينسبورغ قد نشر في السابق ما يمجد غولدشتاين واصفاً إياه ب "الشخصية المقدسة".

ويبدو أن وجهات نظر شابيرو وغيره من الحاخامت المتشددين عن طبيعة التعامل مع الفلسطينيين وغير اليهود بشكل عام تطورت لتشكل التيار السائد في دولة الاحتلال هذه الأيام.

فخلال هجوم الاحتلال الأخير على غزة لم يتوانى أحد أبرز الحاخامات في "إسرائيل" ويدعى الياهو موردخاي عن دعوة جنود الاحتلال لقتل الأطفال الفلسطينيين، إذا كان ذلك سيؤدي لحماية أروح الجنود الإسرائيليين، حسب زعمه. هذا عدا عن تقديمه التماسا لحكومة الاحتلال من أجل تكثيف قصف المراكز السكنية الفلسطينية بقصد الإمعان في ذبح وقتل الفلسطينيين.

وقال الحاخام في إحدى تصريحاته، "علينا أن نقتل كل يوم 100 منهم، فإن لم يتوقفوا علينا قتل ألف فإن لم يتوقفوا فـ 10 آلاف"، واستمر في العد حتى وصل إلى مليون فلسطيني كل يوم، إن كان هذا سيضمن أمن الجنود و"إسرائيل".

ووفقاً لإسرائيل شاحاك، مؤلف كتاب "التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية: 3000 عام"، فإن مصطلح البشر الوارد في الشريعة اليهودية يشير إلى اليهود فقط دون غيرهم. وهو ما دفع الكثير من الحاخامات وخاصة الأرثوذكس منهم لمعارضة الاتفاقات الدولية التي تجرم القتل المتعمد للمدنيين أو تدمير منازلهم وممتلكاتهم، حيث يؤكدون أن هذه القوانين تمثل "الأخلاق المسيحية" لا الشرائع اليهودية، وهي غير ملزمة لليهود بأي حال من الأحوال.

وكان المجلس الحاخامي في الضفة قد حث افراد جيش الاحتلال على تجاهل الأخلاق المسيحية والحرص على إبادة ما وصفوه بالعدو في جميع المناطق العربية. وهو ما يعكس مدى توغل العنصرية والسادية في خطاب المؤسسة الدينية اليهودية.

والمتابع لشأن المجتمع الإسرائيلي الداخلي لا يرى في هذه الفتاوى والتصريحات ما يثير الاستغراب، فمسألة الكره والعنصرية واضحة بشكل كبير في الخطاب الديني والمؤسساتي الصهيوني. وهي بذور حقيقية تغذي الإرهاب الممارس ضد الفلسطينيين بشكل مستمر.

وإن كنا بصدد الدعوة إلى تغيير في نماذج الخطاب الموجه للعرب والمسلمين، أو تغيير في مناهجهم الدراسية أو الفكرية، فيجب لفت الانتباه إلى الخطاب اليهودي الحالي وضرورة تغييره، فحوادث كإحراق عائلة الدوابشة في نابلس أو التهجم على المساجد والكنائس الفلسطينية لم تعد غريبة عن مجتمع يملك الكثير من مقومات العنصرية و الكره والنظرة الطبقية.

ولعل معلومة أن كتاباً ككتاب الحاخام هذا الذي يبيح قتل كل من هم غير اليهود، يحظى بأعلى نسب بيع في "إسرائيل" تمثل كذلك دليلا آخر على توجه المجتمع الاسرائيلي الشديد نحو العنف بحق الفلسطينيين والعرب، وأي مكون آخر يشعرون أنه بصدد تشكيل خطر حقيقي عليهم، كما يدعون.