رام الله – خاص قُدس الإخبارية: تجاوز استخدام سلطات الاحتلال لتهمة التحريض من كونها كلمة او تهمة عادية في الحوارات، لتكون وعاءً كبيراً يستوعب جميع الفلسطينيين وتهمة جاهزة موجهة لكل فلسطيني مهما اختلفت تصرفاته.
وكان جيش الاحتلال قد شكل ما اسماه بالقسم العربي داخل الدائرة الإلكترونية التابعة له، والتي شملت مهامها متابعة حسابات الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي وجمع الأدلة التي قد تفيد جيش الاحتلال في محاكمة النشطاء حال اعتقالهم أو قد تفيد في منع ما يسميه الجيش حدثاً أمنياً معيناً.
وبرزت سياسة الاحتلال هذه بشكل واضح في استدعاء مديرة مدرسة بيت الحكمة بالقدس وإحدى معلماتها للتحقيق، ثم فصلهما من عملهما في المدرسة، بتهمة التحريض على جنود الاحتلال، من خلال السماح للطلبة بتمثيل مسرحية يظهر فيها الجندي بمظهر عنيف ودموي وهو يطلق النار على طفل فلسطيني أعزل.
وصرح نفتالي بينيت وزير المعارف في حكومة الاحتلال بأن المعلمين الذي يروجون لهذه المسرحية سيتم التعامل معهم بقسوة شديدة دون أي تحفظ، قائلا، إنه لا يمكن السماح لأحد يتقاضى أموالا من حكومة الاحتلال بالتحريض على جيشها.
ومن الواضح أن وزارة المعارف تسعى لمنع أي فرصة للتعبير عن النفس والغضب الذي يكتنز صدور الأطفال، فهم أنفسهم يتعرضون بشكل مستمر ويشاهدون عمليات القتل والاعتقال وهدم المنازل، وما المسرحية تلك إلا جزءا بسيطا من المشاهد الاعتيادية في حياتهم اليومية.
وبهذا فإن مسؤولي وزارة المعارف يحاولون منع أي محاولة لتخفيف الصدمة التي يتعرض لها الأطفال من المشاهد اليومية التي يشاركون بها.
فمسألة إعادة التمثيل الرمزي هذه أو تبادل الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو فتح نقاشات عبرها اصبحت محظورة من قبل الاحتلال. ويعاقب من يخالف الحظر هذا بتهمة التحريض. وكأن الحقائق والمصاعب اليومية التي أوجدها الاحتلال لم تعد كافية بحد ذاتها لتحريض الناس على مقاومة الاحتلال.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، تعددت قرارات الاحتلال هذه وما اسميناه بالحقائق على الارض، حيث أصدر مجلس وزراء الاحتلال جملة من القوانين والسياسات بهدف إخضاع الفلسطينيين وكسر شوكتهم، مثل قانون الإيقاف والتفتيش، بالإضافة إلى إغلاق المسجد الأقصى أمام الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة. عدا عن العديد من الكتل الاسمنتية والحواجز المعرقلة لمرور المواطنينن وما تحتويه من أجهزة كشف المعادن وغيرها، والتي تعيق وصول الفلسطينين للمسجد الأقصى.
ولم يقتصر الأمر على هذه الاجراءات بل تعداه إلى زيادة أعداد العمليات العسكرية داخل مناطق سكن الفلسطينيين سواء عن طريق شرطة أو جيش الاحتلال، وماتبع ذلك من تخفيف القيود على استخدام الذخيرة الحية لمواجهة المتظاهرين الفلسطينيين. أضف إلى ذلك حظر نشاط منظمات المجتمع المدني الحقيقية وحظر سفر الناشطين بشكل تعسفي.
وفيما يتعلق بالجانب الانساني، فقد ازدادت حالات الاعتقال الاداري التعسفية وهدم منازل الفلسطينيين بشكل غير قانوني وتعسفي، بالإضافة إلى زيادة التراخيص الممنوحة لبناء المستوطنات في الضفة والقدس بشكل مخالف للقوانين الدولية. هذا بالإضافة إلى خطة الاحتلال الجديدة القاضية بإلغاء حق الإقامة لحوالي 230 ألف مواطن مقدسي ضمن خطة الاحتلال الجديدة لإعادة تحديد حدود القدس.
ولا بد من التعرض لصورة رئيس بلدية القدس، نير بركات، والتي ظهر فيها يحمل سلاحاً خلال إحدى المظاهرات المناهضة للفلسطينيين، واحصائية مهمة لزيادة اقتناء السلاح من قبل سكان دولة الاحتلال بنسبة 5000 بالمئة خلال الشهر الماضي فقط.
وفي الوقت الذي تناقش فيه دوائر الحكم في الاحتلال مسألة إقرار عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين، فإن جيش الاحتلال وشرطته ومستوطنيه يعيثون فساداً في الشوارع ويعملون على تنفيذ أحكام إعدام ميدانية بحق الفلسطينيين خارج نطاق القضاء.
ولا يقتصر الأمر على حالات القتل هذه، بل يتعداه ليشمل تبريراً إعلاميا لهذه الجرائم، وتلفيق عدد لا محدود من القصص لتبرير هذه الجرائم. فعلى سبيل المثال قامت قوات الاحتلال باطلاق النار على المتظاهرين قرب الشريط الحدودي مع غزة ما ادى الى مقتل واصابة العديد منهم. لتسارع وسائل اعلام الاحتلال الى تبرير ذلك بقيام مجموعة من المقاتلين بمهاجمة الجنود على الشريط الحدودي فقام الجنود والرواية هنا للاحتلال بقتل المهاجمين المشتبهين والمتظاهرين العزل.
وفي حالة لا تتكرر كثيرً تمكنت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسليم" من دحض ادعاء قوات الاحتلال عن طريق إحضار فيديو لإثبات إحدى عمليات الإعدام، حيث خلص التحقيق الذي أجرته المنظمة إلى أن جنود الاحتلال اطلقوا النار بشكل متعمد لقتل المتظاهرين العزل دون وجود أي تهديد تعرض له الجنود سواء من المتظاهرين أو ممن ادعا الاحتلال أنهم مقاتلون. إذ ثبت أنهم عزل من السلاح ساعة الحادثة.
وبالإضافة إلى حادثة القتل على الشريط الحدودي الملاصق لغزة، برزت حادثة قتل هديل الهشلمون في الخليل وما تبعها من توثيق لشهادات الحاضرين والصور التي التقطها الناشطون هناك، والتي تثبت كذب ادعاء الاحتلال وأن الفتاة كانت عزلاء من السلاح بشكل كامل. بل قام الجنود لاحقا بوضع سكين بجانب جثة الفتاة لاثبات ادعائهم الكاذب.
انقلب السحرعلى الساحر
مما كان لابد منه أن يقود هذا التساهل في قتل الفلسطينين إلى قيام جنود الاحتلال بقتل عدد من زملائهم أو مواطنيهم عن طريق الخطأ. لكنة ثقيلة ومظهر يشبه العرب كافيان لتكون قد وقعت في دائرة الخطر في شوارع "إسرائيل" وتصبح عرضة لرصاص الصديق تحت أي ذريعة أو طائل.
فعلى سبيل المثال قتل توفار هوداد، على يد قوات جيش الاحتلال في محطة الحافلات المركزية بالقدس، على الفور ذكرت وسائل الاعلام أنه فلسطيني حاول الاستيلاء على سلاح أحد الجنود بعد مهاجمته. لتنكشف الحقيقة لاحقاً أن هذا القتيل هو إسرائيلي، ولتقوم مصلحة تشريح الجثث بتحويل غلاف الجثة من اللون الأسود المخصص للفلسطينيين إلى اللون الأبيض المخصص للقتلى اليهود.
ناهيك عن حادثة قتل الإرتيري في إحدى محطات حافلات بير السبع بعد ان اشتبه به الجنود أنه فلسطيني ينوي مهاجمتهم في مشهد سجلته كاميرات المراقبة وحفظ في سجلات التاريخ على طريقة بشعة لقتل هذا الشخص.
وكان قبل فترة قصيرة من ذلك، أحد أبرز الحاخامات وهو متسافي بن تزيون الذي يشغل منصب رئيس مدرسة دينية يهودية في القدس قال: "علينا ان نطلق النار على الارهابيين، وأن نقف بجانب رؤوسهم ونشاهدهم وهو ينزفون حتى تخرج آخر قطرة للحياة منهم"، وهذا ما حصل مع الشاب الاثيوبي تماماً في المشاهد التي تم بثها لحظة التنكيل به.
وخلال المناقشة سأل احد الطلاب الحاخام عما إذا كانت التوارة تمنع ركل جثة الرجل المصاب كما اظهر الفيديو، رد الحاخام، بكل تأكيد علينا أن نتأكد من أنهم ماتوا بأبشع طريقة ممكنة، حتى لو كنا مخطئين ولم يكونوا إرهابيين، فهذا واجبنا بالتأكد من موتهم وإعطاء درس للآخرين حتى يتعلموا مخاطر الإقدام على أي اعتداء ضدنا.
من جهة أخرى، لا تتوانى قوات الاحتلال على إظهار أوجه التمييز ضد الفلسطيين، فخلال الفترة الماضية قام رجل دين يهودي بطعن أربعة فلسطينيين في "ديمونا"، واكتفت الشرطة وقتها بالدعوة إلى ضبط النفس، ولم تقم بملاحقة المعتدي أو هدم منزله بل اكتفت بالقول أنه مضطرب نفسياً.
وبشكل عام، فإن هذه الأشكال من الترهيب تهدف إلى خلق موجة ردع قوية ضد المهاجمين المحتملين، وهذا يعني تشكيل عواقب كبيرة على عائلات المهاجمين، ما يدفعهم للشعور بالذنب قبل إقدامهم على مقاومة الاحتلال.
وهذا على الطرف الآخر، يشكل تكلفة عالية لـ"إسرائيل" على صعيد الحدود الأخلاقية وانتهاكات حقوق الانسان، فقرار مجلس الوزراء باللجوء إلى الفاشية والعقاب الجماعي في ردع الفلسطينيين سيؤدي إلى تخفيف العمليات إلى حد ما لكنه سيجلب فشلاً أخلاقياً كبيراً للمجتمع الاسرائيلي وسيجعل بكل تأكيد "إسرائيل" المكان الأقل أمناً على سطح الأرض.
المصدر: ميدل ايست موينتور – ترجمة: هيثم فيضي