جنين-خاص قدس الإخبارية: تتوارد الأنباء إلى مسامع الفتية بوجود اقتحامٍ وشيك للمخيم، رائحة الجنود تتسلل إلى الأنوف، فسكّان المخيم يحفظونها جيداً، في بضعة دقائق يتراكض الفتية في مجموعتين داخل أحد الأزقة، الأولى يحمل فيها الفتية بأيديهم عبواتهم المصنعة محلياً "الأكواع" بعد أن أعدوا خلطتها وفتيلها، وطَلوها لتصبح مُتلألأة، أما الثانية فتعّد زجاجات "المولتوف" الحارقة.
في الزقاق المقابل شابٌ يُلبس قناعاً لصديقه الآخر الذي يرتدي حذاءه العسكري الجديد، كي يموّه عملاء الاحتلال، فالمقاتلون الحقيقيون ليس في قاموسهم "الفشخرة"، يمتشقان البنادق على عجل في محاولةٍ لفك الحصار عن أحد المنازل، دون أن يستفسرا عن الانتماء السياسي للفلسطيني المُحاصَر، فالمخيم للجميع والهدف هو كل المخيم، تلك هي المعادلة التي لم تتغير في مخيم جنين حتى خلال سنوات الانقسام البغيض.
في أزقة المخيم ودهاليزه الضيقة تسير كتيبة الجنود بحذرٍ وتعد خطواتها جيداً، يرمق جنود النخبة الجدران بنظرة عابرة فيصيبهم الفزع! يرتعشون من بقايا بوسترات أبو زينة، وأبو الباسم وأبو الهنود حمزة، ويرتعدون من شعاراتٍ تمجّد صمود المخيم.
قلب الجندي الأول يخفق خوفاً، كأنه لمح أشباح أبو جندل وأبو حلوة وطوالبة ورفاقهم تلاحقه لتتسلل من شقوق الأبواب، أما الجندي الأخير فينظر بالخطأ نحو جهة مقبرة الشهداء فيتوقف عن المشي جامداً بلا حراك!.
يقع الجنود في كمينٍ مُحكم، وصدى صراخهم يتعالى في حارات "الدمج" و"جورة الذهب" حتى يصل إلى "الجابريات" حيث وقف موفاز منذ ثلاثة عشر عاماً متعجّباً من شراسة مقاومة المخيم، تماماً كما تعالى عويلهم عندما وقعوا في الكمين الدامي أو كمين الثلاث عشر عام2002، فأصبحوا وقتها يشتمون رئيس حكومتهم شارون!.
الشيء الذي ربما لم يدركه هؤلاء الجنود، أن فتية المخيم الصغار الذين كانوا يُفزعون نخبة "إيجوز" الخاصة بـ"مفرقعات العيد" في اجتياح نيسان 2002، قد كبروا وأصبحوا يُطلقون صليات الرصاص من سبطانات البنادق الأوتوماتيكية، والشيء الذي لم يعرفه جنود نخبة "اليمام" قبل قدومهم الليلة الماضية أن شهداء الوحدة الوطنية من مقاتلي المخيم وقادته، لا يزالون أحياء ولكن بأسماء جديدة!.