شبكة قدس الإخبارية

وللحلم بقية.. رحلتي إلى سجن "نفحة"

هيئة التحرير

كتبت: صمود سعدات

في حياتنا نحن الفلسطينين ، هناك مذاق خاص ومختلف عن كل العالم، بينما يخرج الناس رحلاتهم الى احضان الطبيعة كي يستمتعوا بها او يتسلقوا جبالها او يغوصوا بحارها نخرج نحن اهالي الاسرى رحلاتنا الى مكان مختلف تماما الى سجون الاحتلال الاسرائيلي مكان أسر وقيد حرية من نحب، مكان مفروض علينا، لكننا وبرغم ذلك نذهب اليه ونحن بكامل فرحنا وسعادتنا رغم قساوة ومرارة المشهد، في ليلة الزيارة هنالك من لايغمض له جفنا كما حصل معي،،. وهناك من لا ينام نومه العميق ويبقى يتقلب في فراشه طوال الليل ليريح جسده حتى يكون في ابهى حالاته يوم الزيارة.

التحضيرات وما قبل الزيارة

نبدأ في التحضيرات منذ الساعة الرابعة والنصف صباحا واول الاشياء التي نحضرها هي الاشياء التي قام والدي بطلبها منا حتى لاننساها ونحضر بعد ذلك بعض من الطعام والقهوه والماء البارد جدا بسبب طبيعة الطقس في المكان الذي سنذهب اليه..

انطلقنا من البيت انا وامي وغسان في تمام الساعة السادسة صباحا واتجهنا إلى مكان الحافلات في أمام حديقة إسعاد الطفولة في مدينة البيرة، وعندما ترجلنا من السيارة بدأت كل عيون الأهالي تتجه نحونا، وعندما اتجهنا نحوهم قابلونا بابتسامة واسعة والقينا على بعضنا تحية الصباح، هنالك من قال هذه عائلة (أحمد سعدات) ستزور معنا اليوم، وهنالك من أتى الينا والقى التحية الدافئه: واخيرا سمحو لكم في الزيارة، فبدأ التفاعل فيما بيننا منذ اللحظة الاولى لم نشعر اننا غرباء او حتى بيننا حواجز.

هناك من نعرفهم من قبل لأننا كنا نرسل معهم بعض الملابس والكتب لأبي الممنوع من الزيارة كونهم معاً في نفس السجن كعائلة الأسرى (جهاد وعماد الرومي)، وهناك من نعرفهم بحكم القرابة العائلية مع والدتي كعائلة الأسير (مجدي الريماوي) وهناك من اعرفهم بحكم أن ابنهم كان ملفه متابع من قبل المؤسسة التي أعمل فيها (مؤسسة الضمير) كعائلة الأسير (سائد إحسان).

وهناك التقيت بمدرستي لمادة اللغة العربية منذ كنت في الصف السابع الأساسي، ولكنها اليوم هي والدة الاسير (محمد وهبه) المحكوم خمس سنوات، وهنالك الكثير ايضا الذي نعرفهم، في هذه اللحظات فقط ترى وجوه كلها طاقة وأمل، مبتسمة، تضحك، تمزح أحيانا كل يسأل الاخر عن أحواله وأخباره، هم واحد، جرح واحد، هدف واحد.

الرحلة الى سجن نفحة

تحركت الحافلة في تمام الساعة 6:50 صباحا، وطبعا بحكم التجربة الأولى كان الأهالي وسائق الحافلة يشرحوا لنا ما هي المحطة القادمة.

وصلنا حاجز بيت سيرا الساعة 7:30 صباحا ترجلنا من الحافلة وسرنا تقريبا مسافة 50 متر حتى صادفتنا ساحة مفتوحة مسقوفة بألواح حديدية لا تحتوي على اي شيء سو مرحاض قذر تستخدمه الأهالي مضطره بسبب الرحلة الطويلة.

كان في انتظارنا موظف الصليب الأحمر الذي يقوم في تسليم التذاكر للأهالي حصلنا على تذاكرنا واتجهنا نحو مكان التفتيش.

في مكان التفتيش تصادفك بوابة حديدية متحركة (بوابة رقم واحد) او (المعاطة) كما يطلق عليها البعض تضع كل ما في جيبك او اذا كنت امرأه تضعي حقيبتك على ماكنة التفتيش .

عند هذه البوابة نضع فقط الهوية وننتظر قليلا ثم يعيدونها لننتقل الى (بوابة رقم اثنين) وهذه البوابة التي يكرها أهالي الأسرى ويمقتونها، عند هذه البوابة يوجد شباك وخلفه مجندتين.

نضع عند هذا الشباك الهوية وتصريح الزيارة وتذكرة الصليب، عندما وضعت تصريحي وهويتي وتذكرتي قرأت المجندة الإسم وطلبت مني الانتظار فلاحظت انها قامت بإعطائهم لمجندة أخرى تجلس خلفها على جهاز الحاسوب، في هذه اللحظة قامت بإدخال عائلتين، وانا أنظر بإتجاه المجندة التي لا أدري ما هي المعلومات التي تقرأها على الجهاز لكنها كانت تقرأ وتنظر إلي نظرة غريبة.

بعد فترة قليلة أعادت أوراقي للمجندة التي على الشباك وأرجعتهم لي على الفور، وطبعا كذلك الأمر حدث مع والدتي مع العلم ان والدتي تحمل الهوية المقدسية لكنها أحبت أن تعيش التجربة مع ابنتها، خرجنا وانتظرنا تجمع باقي الأهالي ليكتمل عدد الأهالي البالغ 72 شخص في الحافلة واثناء ذلك تسمع مثلا أنهم أعادو طفلا كان ذاهبا لزيارة أخيه بسبب أن عمره يبقى له 4 شهور ليصبح 16 عاما وكما يدعون ان عمره على الجهاز 16عاما وبحاجة لتصريح ووالدته تحلف ان عيد ميلاده بقي له 4 أشهر.

تنغصنا عليهم والجميع ازرهم ، انطلقت الحافلات تمام الساعة 9:20 صباحا وبدأ قلبي بالخفقان، كيف سيكون اللقاء؟ هل سأبكي؟ هل سأضحك؟ هل مثلا ستحصل معجزة واحصل منه على حضنة قوية؟ ماذا ستكون ردة فعل أبي؟ الذي لم يراني الا عندما كان عمري 20 عاما، و أنا اليوم ابنة 29 عاما، هل سيعرفني؟! كيف سأرى ملامحه ؟هل كبر؟ هل ما زالت عيونه القوية التي تعطي الطمأنينة للمقابلها كما هي؟ هل هو هادئ ؟ هل سأرى الابتسامة التي تعطيني كل القوة والأمل؟ ولكنني قررت ان اوقف هذه الحالة التي بدأت توترني، وقررت الجلوس بجانب سائق الحافلة وبدأت أسأله عن الطريق والأماكن والأسماء والطقس حتى أقضى على ساعات الانتظار.

ولأن هذه هي المره الاولى من بعد انقطاع طويل اتجه الى جنوب فلسطين حيث كنا نذهب ونحن اطفال لنزور والدي في سجن النقب ولكن سأعيد الذاكرة للأماكن التي لم أرها منذ زمن، وبدأ سائق الحافلة يشرح لي عن الأماكن ،،.مررنا بالمفرق الذي يؤدي الى سجن النقب، ومررنا ايضا عن سجن إيشل" الذي اسمع به دائما، ومررنا عن جبال صحراوية لم أشهد جمالها قط.

وصلنا سجن (ريمون) و (نفحه) بعد ساعتين وعادت تلك المشاعر التي حاولة السيطرة عليها لكنها عادت بشكل اقوى حيث قال لي سائق الحافلة (يلا هينا اوصلنا) وعادت الأسئله السابقة التي حاولت ان اتحاشاها وبقوة اكثر، كنت كالفراشة التي تريد الطيران، قلبي زادت خفقاته، عيوني تريد البكاء، فمي يريد الضحك، شعور قوي لم اشعر به منذ 9 سنوات، ياالهي، سأرى أبي، ولكن لا تتوقع أن تمر العملية بسهولة.

ساعات من الانتظار ومعاملة مذلة

وصلنا سجن نفحة قرابة الساعة 11:30 ولكن لا تتوقع انك تترجل من الحافلة وان تدخل ببساطة وتزور فورا، لا يحصل هكذا في العاده فهذا امر مستحيل، على الباب جاءت سيارة الأمن وطلبت منا الانتظار وحركت الحافلات قليلا الى حافة الطريق لنتفاجأ أن هناك حافلة كبيرة كانت الحافلة التي تقل الاسرى من مكان الى اخر والذي يطلق عليها (البوسطه) هو باص ابيض اللون، موضوع عليه شعار قوات (النحشون) لا ترى فيه سوى شبابيك صغيرة الحجم عالية وكأنه يشبه الشاحنة التي تنقل الأجبان والألبان.

لم نرَ أيا من الأسرى طبعا، ولكننا رأينا قوات النحشون منتشرين حول الحافلة، بقينا مدة 20 دقيقة داخل الحافلة لأنه ممنوع أن نتحرك، حتى جاء شرطي يرتدي زي الشباص فتح بوابة على شكل شبك، وأدخلنا إلى ساحة المفتوحة، وبعدها ادخلنا إلى ساحة شبه مغلقة ولاحظت أنه بعد أن يتأكد الشرطي بأن الجميع ترجل ودخل إلى هذه الساحه يقوم بإغلاق الباب الموضوع عليه شبك بمفتاح ويذهب.

هذه الساحة تحتوي على مقاعد حديدية غير مريحة، هوايتين بحجم كبير فقط، الجو حار جدا، المراحيض غير نظيفة في النهاية تفضل عدم استخدامها أو اذا اضطريت تستخدمها بطريقة صعبة جدا، داخل هذه الساحة شباكين واحد للدخان وشباك آخر تمنيت لو احطمه لأنه عبارة عن مذلة، وهو الشباك الذي ندخل عن طريقة الملابس والكتب، والشرطي المسؤول عن هذا الشباك، بليد، بطيء، لئيم، يتفنن في التنغيص على الأهالي، وهناك على الجانب الأيسر الشباك الذي بعد أن ينادوا على اسم الأسير تذهب لتعطيه التصريح و الهوية للتسجيل فأطلقت عليه شباك الحظ.

في البداية ينادي أحد السجانين على عدد من أسماء وهم أسرى الفوج الأول، كنا نحن من اصحاب الزيارة للفوج الاول حيث قاموا بتقسيمنا نحن الـ72 شخصا الى أربعة أفواج.

مع العلم ان الفوج الاخير كان فقط 4 عائلات ولكن حتى ننتظر اكثر وحتى لا يتركوا مساحة لنا لكي نرتاح قسمونا، قمنا بتقسيم انفسنا انا و امي واخي غسان على الشبابيك الثلاثة غسان الى شباك الدخان وانا على شباك اللئيم شباك الملابس والكتب، وامي اخذت اوراقنا على شباك الحظ؛ ويا ليتها لم تذهب!..

هناك قال لها السجان المسؤول انت وابنك غسان ممننوعين من الزيارة اليوم الزيارة فقط لصمود، امي بدات بالصراخ عليه انكم انتم سمحتم للعائلة بان تزور لماذا نحن ممنوعين فاجابها بكل برود ان هذا هو القرار، هذه اللحظة تماما ينطبق مثل: "حلف الزين ما يكمل"، رايت عيون امي، وشاهدت حرقتها والمها الداخلي وعيونها الممتلئة بالدموع.

ووجهة غسان الذي امتلا بالغضب الكبير، لحظة نغصت علينا فرحنا ولهفتنا باللقاء المنتظر، امي تداري وجهها عني حتى لا تنغص علي في لقائي الاول، غسان يعبطني ويقول لي (سلمي كتير ) وهو يخفى غضبه حتى لا يؤثر علي مشاعري ،، لكنها اثرت وقهرت والمتنا نحن الثلاثة،، امي التي منعت من زيارة ابي لا اكثر من عامين وغسان الذي لم يشاهده منذ حرب غزة، كيف سيكون لدي القدرة ان ازوره و هما حرما من زيارة والدي، احسست اني اريد البكاء والصراخ ولكن لا اريد ان اسمح لهم بان يفسدوا اللقاء المنتظر.

ذهبت امي وغسان وبقيت انا لوحدي قاسي الشعور ولكن ساكمل الرحلة.

الشباك اللئيم

منذ ان دخلنا ساحة الانتظار وحتى موعد الزيارة ونحن مجموعة لا يتجاوز عددها العشرة افراد من اهالي الاسرى نقف على الشباك، واستمر هذا الوقوف من الساعة 11:45 حتى الساعة 1:00 ظهرا، والشرطي اللئيم يتفنن في تعامله معنا، ويدخل الالوان وبحسب مزاجه، حسب احد امهات الاسرى وانهم في المرة الماضية ادخلو اللون الاسود لكنه اليوم اللون الاسود ممنوع، كل عائلة ارجعت على الأقل قطعة من الملابس التي احضرتها لابنائها او ازواجها، وطبعا الشرطي اللئيم

كان كل فترة يذهب ويغيب لا اعرف اين ويعود بعد فترة، ونحن ننتظر، بدل ان نجلس ونستجمع قوانا ونرتب افكارنا ونريح اعصابنا من مشقة الطريق وان نرتب في ذهننا ما نريد قوله في 45 دقيقة نغضب ونتنغص ونتعب.

الحلم الذي تمنيته منذ 9 سنوات، 45 دقيقة قرابة الساعة الواحدة 1:15 نادوا على أسماء أسرى الفوج الأول، وقفنا عند البوابة الحديدية حتى ندخل، نقول اسم الأسير ويتأكد الشرطي من الأسماء، يا إلهي سننتظر مرة أخرى!

تمنيت لو أن هذه الأبواب وهذه الأشخاص والوجوه التي لا تحب أن تراها موجودة، وأن أدخل سريعا حتى أرى وجه أبي،، تمنيت لو كل هذه القيود أن تتحطم وأن نسرع قليلا لانني ما عدت أطيق الانتظار، دخلت البوابة، عند البوابة جهاز التفتيش وهو الكتروني تخلع حذائك وتضعه على الماكنة وتمر، إذا أطلقت الماكنة رنين تضطر لأن تخلع كل ما يصدر الرنين، حتى النساء اللواتي يرتدين ملابس داخلية تصدر رنين نظرا لحساسية الجهاز، يعطونهن ملابس صلاة وتخرج إلى الحمام وتلبسها وتعود من أجل أن تضع ملابسها على الماكنة للتفتيش!

الحمدلله لم يرن الجهاز وأنا أمر من تحته! بعدها ننتقل إلى صالة تفصلنا عنها غرفة تفتيش أخرى، مجندتين لم يتجاوز عمرهن 22 عاما، صغيرتان مدججتان بالسلاح، يحملن جهاز التفتيش، عيونهن لا تحملن أي براءة أو حتى إنسانية،، أردت القول لهما،، كيف تشعرن كنساء وانتن تتدربن على قمع النساء؟!

دخلنا الصالة وأيضا انتظار.. انتظار.. انتظار..

بدأ شعور الفرح يراودني، سأرى أبي وأخيرا،، سأرى الوجه المشرق الذي أحب، دخل سجان وقال (هيا إلى الزيارة).. في تلك اللحظات كنت أريد أن أركض، أمشي، لم أعرف ماذا أريد أن أفعل، خرجنا باتجاه قاعة الزيارة.

وعندما دعست على باب القاعة اتجهت عيوني نحو الشباك الذي يفصلنا عنهم،، أين أبي أين أنت يا أبي، دخلت ونظرت هذا شاب، هذا شاب، هذا شاب، هذا شاب، وفجأة رأيته يمشي بمحاذاة الشب الأخير الذي وقعت عيني عليه،، ركضت بإتجاه الشباك الفارغ، سرعة قمت بها بالقفز على الدرج المحطوط أمامي وفجأة ها هو أبي (أبو غسان) أمامي مباشرة تمنيت لو أن الزجاج ينكسر فيما بيننا وأن نستطيع أن نحضن بعض كما في الصغر ولكن هناك أحلاما من الصعب أن تتحقق ولم يكسر الزجاج.

أبي مصدر قوتي و سعادتي وأخيرا التقت عينانا رغم الزجاج رفعت السماعة وأنا أصرخ بأعلى صوتي (بابا حبيبي وأخيرا) وأنا أعطيه القبلات من خلف الزجاج،، في تلك اللحظة أدمعت عيناي وشعرت برجه صوتي ووالدي كذلك أدمعت عيناه، ولكن لأننا لا نريد البكاء وإنما نريد الفرح في تلك اللحظة، أطلقت زغرودة لم أعرف لماذا ولا كيف أطلقتها وضحكنا بعدها، وبدأت الزيارة، يا إلهي هو كما هو!

ذلك الإنسان الذي حين تراه كأنك امتلكت كل ما في الدنيا، ضحكنا وتحدثنا، وأرسلت له القبلات وتحيات الجميع، خبرني عن أحواله،، وبماذا يقضي وقته، وأنا حدثته عن كل شئ يخصني، هي لحظات الحلم الذي لا ينتسى، تأملته كثيرا حتى أشبع نظري في ملامحه التي لن أراها مرة أخرى،، والدي الدافء الحنون، والدي الذي عدت معه في تلك اللحظات الى فترة الطفولة، والدي الذي كنت احلم به دائما.

كانت بادية عليه علامات الكبر في العمر، وهذا ازعجني جدا،، لكنه حين يتحدث لا ترى أي كبر في حديثه،، روحه،، صلابته،، إبتسامته التي نعرفها جميعنا، الشيب الجميل الذي يكسو شعره، رأيت في تلك الزيارة بعضا من الحزن في عيناه.

نظرا أولا لعدم زيارة أمي وغسان، وأنه يوم زيارتي له كان يصادف ذكرى استشهاد عمي (محمد) الثالثة عشرا، ولانه في هذه الفترة يواسي رفيقه الأسير (اشراق الريماوي) بوفاة إبنه (أحمد) قبل يومين، وتحدثنا كم هو مؤلم موته بهذه الطريقة وكيف أن أحمد عاش مع أبيه في هذا السجن، وكيف يعيش أبوه في تلك اللحظات، لكن كل تلك التناقضات كانت تسمح لنا بين الفترة و الأخرى أن نبتسم ونعطي قبلات لبعضنا من بعيد، وأن نمزح ونعلي ضحكاتنا حول بعض الأمور العائلية، وعندما كان يريد أن يقول لي (في النهاية ديري بالك على حالك) قطع الهاتف ولم أعد أسمع صوت أبي، ولكنه أكملها من وراء الزجاج ووضع يديه وأنا فورا قلت له ولا يهمك أبو غسان ووضعت يدي ونظرت إليه نظرتي الأخيرة وهو كذلك.

هذه اللحظة الصعبة انتهى حلمك صمود ولم تشبعي رمقك وعطشك واشتياقك من والدك ،،وقام ليمشي باتجاه الباب،، لأبدأ بالمشي بحسب مشيته وأنا أراقبه من على موازة له،، حتى بدأ الشرطي، يلح علي بالاسراع ولكنني لم اسمع الشرطي وأنني اسمع خطي والدي،، وعندما وصلت الباب لاخرج صرخت بأعلى صوت (بابا، أبو غسان راح أشتقتلك كثيير وأعطيته قبلة من بعيد) وهو رفع يده ملوحا مبتسما وخرجنا..

45 دقيقة هي غير كافية لحديث مدته 9 سنوات هي لا تطفأ الرمق لكنها تمدنا بجزء بسيط، وانتهى حلمي وأنا كنت لا أريد منه ان ينتهي.

لكن أجمل ما في الموقف أن الإنسان يستطيع تحطيم كل القيود التي تحاول أن تمنع السعادة عنه ويستطيع أن يصنع فرحه رغم كل الظروف الصعبة لأننا لم نكترث لاستفزاز السجانين الذين كانوا يجوبون حولنا من طرفي وطرفه وهم يراقبون الأهالي وأبنائهم،، ولم أكترث أحيانا لازعاجهم حين كانت تعلى أصواتهم وهم يتحدثون بصوت عالي مع بعضهم،، ولم أكترث لنظراتهم المتفاجئة حول تفاعلنا مع عائلاتنا ولا للزجاج ولا للهاتف الغير إنساني لأننا وبكل بساطة نبحث في آلامنا عن دقائق فرح معدودة حتى نستطيع الإكمال.

ما بعد الزيارة؛ التفكير في الحلم: لم تنتهي الرحلة بعد؛ خرجنا قرابة الساعة 2:50 دقيقة إلى الساحة لننتظر العائلات الأخرى التي تزور ولكن قسوة المشهد تجبرني على الكتابة عنه.

الساحة في هذه اللحظة عبارة عن صمت، كل عائلة تجلس مع بعضها تأكل القليل من طعامها الذي اعدته، ولكنها وجوه حزينة دائمة التفكير، غارقة مستذكرة تفاصيل الزيارة التي مرت سريعا،، كل فرد امرأة أو رجل مستغرقا في أحلامه وأفكاره، بدأت ملامح التعب تظهر.

وفي يوم رحلتنا انتظرنا انتهاء الزيارات حتى الساعة 5:10 مساء، وخرجنا من على أبواب السجن وقتها تمنيت لو أنني ابقى قليلا، حتى لو لم أرى والدي لأنني ما كنت أود الرحيل وأن يبقى هو هنا في هذا المكان، صعبة هذه اللحظات، أن نترك من نحب ونذهب، ولكن دائما للحلم بقية.

20/آب/2015