كتب: أحمد المدهون - غزة
في بحر من الرمال يجدّفون، ويصارعون تلاطم أمواج التراب الهادرة من فوق رؤوسهم، علّ سفينة الوطن ترسو على شواطئ الحرية، لينزل ركابها إلى الجورة وعسقلان، ليافا وحمامة، لعلهم يصلون إلى القدس بسلام.
يتجمع أبطالنا، في المكان المخصص للعمل، بعيدا عن ضوضاء المدينة وأعين الناس، وصخب الدنيا والتقاتل على ملذاتها، قد يكون أحدهم آتيا من مكان عمله على عجلِ ، أو خارجا لتوه من جامعته ودراسته، أما آخرون، فيبيتون ليلتهم بعيدا عن زوجاتهم وأبنائهم، وأهليهم.
بأجساد أرهقها عمل أيام وسنين، وتلاحق جِهاد عظيم، شمّروا له سواعدهم ، وعزموا إما بشهادة ، أو بنصر مبين، آتين، ينزلون واحدا تلوا الآخر إلى أعماق بحر التراب، يستذكرون فضاء فلسطين، وطريق حيفا والقدس الطويل ، ليخففوا من وطأة ضيق المكان.
قد يحنون ظهورهم ورؤوسهم اليوم، لكنهم يرفعونا عالياً حين التلاقي مع المحتل، قد يُجرحون اليوم، لكنهم يشربون مقابلها من دماء بني صهيون، قد ينهار التراب عليهم، لكنهم سيردمون حصون المحتل فوق رؤوس الغاصبين.
فوق الأرض أناس يلهون، يتسامرون، أو يفسدون، وهناك أناس أيضا يصلّون ويدعون لمن هم تحت الأرض مجاهدون، وبدمائهم الزكية يروون، وخريطة الوطن المسلوب يرسمون.
أما تحت الأرض عالم فهناك صغير، ممرات ضيقة، فيها يسترق أبطالنا أنفاسهم كالغريق، يتألمون من جراح تصيبهم، وآلام ظهورهم، لكنهم يا عزيزي لا يتأففون ولا يتباكون، بل تراهم يضحكون، فـرحون، كيف لا وهم يجاهدون وللقاء عدوّهم يتجهزون.
حين نزل هؤلاء الأبطال إلى عالم غير عالمنا، لم يكونوا يعلمون، أأحياءً سيخرجون، أم على الأكفان سيُنقلون، لكنّهم يعلمون علم اليقين أنهم الفائزون في كل الأحوال، إن عاشوا يوماً آخر في جهاد، أو قَضَوا لتطير أرواحهم إلى السماء.
أبطالنا بان صنيعهم يوم العصف المأكول، حين مرّوا بالأنفاق مسرعين، لينقّضوا كالصقور محلقين، ليضعوا رأس "إسرائيل" في تراب مهين.
شهداء الإعداد.. سلام عليكم في سجل الخالدين، لن يضركم نباح الخائنين، من رموكم بحقدهمُ الدفين،، ولمن لا زالوا على الدرب.. امضوا والربّ يرعاكم..