فاجأنا جميعًا اللواء جبريل الرجوب بقراره سحب طلب تجميد عضوية الاتحاد الإسرائيلي في الفيفا، في اللحظات الأخيرة، لكن المفاجأة الأكبر بالنسبة لي على الأقل أن يدافع محلل رياضي عربي على شاشة "بيان سبورت" عن قرار الرجوب معتبرًا أنه كان نجم ليلة أمس.
ولست هنا بصدد استعراض إنجازات الرجوب العديدة على الساحة الرياضية الدولية أو حتى إنكارها، وباختصار الرجل حقق نجاحات تستحق الذكر والشكر، غير أن ما حدث في الفيفا أمس يشكل هزيمة واضحة للحملة التي قادها الاتحاد الفلسطيني مؤخرًا، وانكسارًا للجهود الدبلوماسية التي تتغنى بها السلطة الفلسطينية لإحراج "إسرائيل" دوليًا وعزلها، حيث يبلغني زميل صحفي التقى الرجوب شخصيًا قبل الذهاب للفيفا، أن من رأى الرجوب وهو يتحدث عن ثقته بدعم بلاتر للطلب الفلسطيني ضمنيًا وعن إصراره على الذهاب بالطلب حتى النهاية، لا يمكن أن يصدق سحب الطلب أمس حتى ولو تعرض الرجوب لضغوط من أي جهة.
يتمثل الفشل أمس في التنازل عن الموقف الذي تم التمسك به طويلاً والتأكيد على أن لا تراجع عنه، فبعد أن وصلنا إلى مرحلة التصويت على الطلب كان خطأ فادحًا أن نتوقف؛ ثم نقول إن ما تحقق إنجاز يجب أن نبني عليه، أو نقول إننا أكلنا العنب لأننا أدركنا أنا لن نستطيع أن نقاتل الناطور! فإذا كنا على قناعة بأننا سنفشل؛ وأن العالم لن يقبل باتخاذ قرار كهذا ضد "إسرائيل"؛ لماذا صعدنا على الشجرة إذًا؟َ! ومادام أن قرار تشكيل لجنة لمتابعة الحريات هو قرار كافٍ وعلى هذا القدر من الأهمية؛ لماذا لم نكتف بطلبه منذ البداية؟!
لقد هزمنا ثلاث مرات الليلة الماضية! في المرة الأولى عندما قررنا عدم خوض التصويت حتى لا نخسر، كان بالإمكان أن يعتلي الرجوب منصة الفيفا ليقول إن الرياضة الفلسطينية تواجه عنصرية وقمعًا، وإن الرياضيين الفلسطينيين يدفعون ثمن خلط "إسرائيل" للسياسة بالرياضة، ورغبتها عدم إنهاء أي شكل من أشكال الاحتلال لدولة فلسطين، فماذا أنتم فاعلون؟! كان علينا أن نضع العالم أمام الاختبار الذي يتهرب منه دائمًا، وأن نقول لهم إن تصويتكم ضد تجميد عضوية "إسرائيل" بعد كل المحاولات السابقة لإلزامها بوقف عنصريتها ضد رياضيينا؛ يمثل دعمًا صريحًا منكم لخلط السياسة بالرياضة وتدفيع الرياضيين ثمن استمرار الاحتلال لستة عقود، أو أربعة عقود على الأقل!
أما هزيمتنا الثانية فتمثلت بتلك الرسائل التي تلقاها نشطاء على حساباتهم الشخصية عبر فيسبوك، ومصدرها متضامنون مع القضية الفلسطينية ومناهضون للاحتلال، هؤلاء الذين عبروا عن غضبهم الشديد مما حدث، وعدم رغبتهم في خوض أي فعاليات تضامنية مع الفلسطينيين لاحقًا، كما تمثلت في كتابات النشطاء العرب الذين تساءلوا: هل يمكن أن نكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين؟! أتساءل أي إحراج يعيشه المتضامنون الذين تجمهروا أمام مقر الفيفا أمس مطالبين بقبول الطلب الفلسطيني، أو الذي تعيشه المتضامنتان اللتان اقتحمتا المقر حاملتين علم فلسطين ومطالبتين بقبول الطلب.
ثالث هزائمنا الليلة الماضية، كانت في حجم الشماتة التي امتلأت بها صدور الإسرائيليين، ولعل أبرزها وضوحًا ظهرت في موقف وزير المواصلات المتطرف يسرائيل كاتس الذي دعا لاحتجاز الرجوب في المقاطعة ليمارس لعبة كرة القدم الخاصة بالأطفال، أو موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي قال إن الجهود الإسرائيلية الدولية هي من أفشلت المحاولة الفلسطينية ودفعت بالرجوب لسحب الطلب.
أما الأدهى والأمر فقد كان ذلك التناقض بين مصافحة الرجوب لنظيره الإسرائيلي عيني عوفر وإغلاق صفحته – ليس بقرار منه طبعًا – في وجه تساؤلات الجمهور الفلسطيني المصدوم، فقد بدا الرجوب سعيدًا جدًا بما تحقق وهو يهز يده بشدة مبتسمًا بطلاقة، فيما كان عوفر متجهمًا وكأنه أجبر على المصافحة، رغم أنه هو من طلبها خلال حديثه على المنصة! في المقابل كان القائمون على صفحة الرجوب الشخصية يلاحقون تعليقات الجمهور الفلسطيني التي تساءلت عن سبب ما حدث وأعربت عن رفضها له. رغم أن كثيرًا من هذه التعليقات لم تتجاوز حدود الأخلاق واللياقة.
لا لوم إذًا على الفلسطينيين وهم يوقعون على عريضة لطرد الرجوب من رئاسة الاتحاد رغم إنجازاته العديدة، أو وهم يصفون ما حدث بـ "التخاذل" وبـ "جولدستون جديدة"، ويطالبون بالتحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين، ليس كرهًا للرجل ولا من باب التشكيك فيه، ولكن هي طريقتنا في امتصاص غضبنا لا أكثر. إذ لن يحدث شيءٌ مما سبق ذكره، وسيمر الأمر دون تحقيق أو محاسبة، ولن يكون ذلك جديدًا علينا كفلسطينيين، لكن الجديد هو أن نخرج من هذه الموقعة "بمباراة ودية" بين الفدائي ونظيره الإسرائيلي. تلك ستكون هزيمتنا الرابعة!