إياد الرفاعي - عناتا
ضاقت بنا شوارع مدينة العابرين، حيث كان لهذه المدينة يومها مزاجٌ لا يقل اضطراباً عن مزاج ثلاثتنا، انه يومٌ خريفيٌ بكامل الحزن، والسقوط قد تسلل الى منتصف ايار- ايار السقوط ايضاً – هربنا يومها من عيون الشهداء الذين عادوا لمدينة مجدداً، وخجلاً من أصوات أمعاء الاسرى في المعتقل قابع على أطراف هذه المدينة، استقرت خطواتنا المضطربة داخل أحد المقاهي.
كان على الطاولة قضية للاسرى، ثلاثة فناجين من القهوة ورقعة شطرنج، تحرك أحجارها يدٌ عن يميني و أخرى عن يساري، و دخان موتٍ صامتٍ انفثه من فمي وعينان حائرتان تراقبان عن كثب اختراق أحد الجنود صفوفًا من وزراء و قلاع على الرقعة مزدوجة الألوان، وصولا لنهاية الطريق مقدماً نفسه قرباً لرقعة لا تقف عن إلتهام تضحيات متكررة لفك أسر قطعة أخرى قد وقعت في اليد اليسرى.
توقفت عن متابعة المعركة على رقعة الشطنرج وانتقلت لمتابعة معركة أولى على رقعةٍ اخرى هي أكثر واقعية، نظرت من حولي.. الجميع يشغل الكلام مسمعيه عن صوت امعاء الاسرى، و تشتت رائحة المال الممزوج بمستقبلٍ اقل قبحاً من يومهم انتباههم عن عيون الشهداء المعلقة على الجدران وكيف تغتال ضعفهم لاعنةً قلة حيلتهم، عاد بي البصر لرقعة الشطرنج و اذ باليد اليمنى على شفى النصر، عندها ايقنت حقا بأن امعاء اسرانا لن تتوقف عن الصراخ يوماً فلا غيم في السماء ينذر بالمطر..