فلسطين- خاص قدس الإخبارية: ملاك الخطيب الطفلة الصغيرة بعمرها (14 عاما)، والكبيرة بكلامها واحدة من أطفال فلسطين الذين كبروا قبل أوانهم، ففي فلسطين يجب أن يعاد تعريف الطفولة التي ألغاها الاحتلال من قاموسنا الفلسطيني، فاعتقل وقتل وحرق أطفال، لا ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيون.
لم تكن ملاك تعلم أن اختيارها لسلوك الطريق الالتفافي في قرية بيتين شرق رام الله من أجل الوصول إلى بيتها بعد عودتها من المدرسة، سيتسبب في اعتقالها وتوجيه تهمة لها بمحاولة طعن جندي وضرب الحجارة على الجنود، وهو ما زالت ملاك تعجز عن استيعابه.
[caption id="attachment_61564" align="alignleft" width="300"] ملاك الخطيب.. طفولة تكبر قبل أوانها/ عدسة: شذى حماد[/caption]ماذا حصل؟
تروي ملاك لـشبكة قدس ما حصل معها في تاريخ 31-12-2014، قائلة:" كنت أمشي في الشارع مستمتعة بمنظر الورود لأجد فجأة دورية عسكرية تقف ويقول لي جنديين: وقف وقف، وقفت لأجد بعد قليل أربعة جنود يحاصرونني لا أعلم من أين خرجوا".
وتكمل بدأ الجنود بضربي وركلي بأقدامهم، ومن ثم قيدوني وعصبوا عيني ووضعوني في الدورية، وفي أثناء الطريق إلى مركز تحقيق قريب من جبع، قال الجندي:" أنت معك سكين بدك تقتل جندي"، صعقت ملاك من التهمة الموجهة لها وقالت له:" لا يوجد سكين معي كل ما كنت أحمله قلم وممحاة"!
تم نقل ملاك إلى مركز التحقيق، وبدأ المحقق بتوجيه أسئلة إلى ملاك استمرت مدة ساعتين فقط، لكن ما حدث داخل غرفة التحقيق جعل المحقق يتفاجأ من تلك الطفلة التي تجلس أمامه.
التهمة والتحقيق
وجه المحقق لملاك تهمة حيازة سكين ومحاولة طعن جندي وضرب الحجارة وسألها من بعثك من ورائك؟ بعد أن سمعت ملاك بذلك لم تكن بحاجة إلى محامي دفاع لأنها أصبحت محامية نفسها وقال له:" إذا أردت أن تحول القلم إلى سكين والممحاة إلى حجر، فكل شيء عند "إسرائيل" جائز فمن يزور الحقائق يستطيع أن يوجه مثل هذه التهم إلى طفلة".
صدم المحقق من إجابة ملاك وقال لها: تتكلمين وكأنك قائدة سياسية، هذا الكلام لا يصدر من طفلة أنت لا تبدين خائفة، فأجابته ملاك مما سأخاف! بعد كل ما رأيناه من قتل وحرق للطفل محمد أبو خضير وحرب غزة وقتل الأطفال تريد مني أن اخاف منك!
ضحكت ملاك عندما رأت ردة فعل المحقق المتعجب من هذه الطفلة، وبدأت ملاك تحاور نفسها: أعتقد لو أن أحدا أخر مكاني كان يمكن أن يبكي، لكن ماذا سيفيد البكاء؟ منذ صغري وأنا أحب أن أدافع عن نفسي، يجب أن أكون قوية.
بعد برهة سألها المحقق مع أي منظمة تعملين؟ هل أنت حماس؟ فأجابته أنا لا أنتمي إلى أي فصيل أو حزب أنا فلسطينية فقط، لكن المحقق قال أن عينيها تدلان على أنها حماس لأنه رأى الحقد والكراهية فيهما، بدورها ملاك وجهت سؤالا للمحقق: لماذا قلت حماس؟ أم لأن حماس أهانتكم في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
بعد أن رأي المحقق قوة وجرأة هذه الطفلة، أراد أن ينهي التحقيق بأي شكل من الأشكال، وقال لها: لو كنت أعلم أنك هكذا لم آتي للتحقيق معك، وقعي على هذه الورقة وأريحيني منك، مسكت ملاك الورقة ووجدت أنها كلها مكتوبة باللغة العبرية، فطلبت منه أن يترجم لها الورقة وإلا لن توقع عليها.
[caption id="attachment_61565" align="alignleft" width="300"] التهمة التي وجهتها لها قوات الاحتلال محاولة طعن جندي/ عدسة: شذى حماد[/caption]أخبرها المحقق أن الورقة تتضمن اعترافاتها، في حين أنها لم تعترف بشيء وقالت له:" أنا متأكدة أنكم لفقتوا لي هذه التهم وهو ما تبرعون فيه، لكن المحقق أراد أن يخدعها وقال لها وقعي على الورقة فأهلك بإنتظارك في الأسفل، فشعرت ملاك بفرحة عارمة، ولأنها أرادت أن تنتهي من هذا الكابوس وقعت على الورقة التي تتضمن اعترافاتها، لتبدأ مرحلة جديدة غيرت مسار حياتها.
صدمة في "هشارون"
تم نقل ملاك إلى زنازنة صغيرة، لتعلم أن المحقق أوقعها في فخ لا مخرج منه، وبعد ساعات نقلت ملاك إلى سجن "هشارون" حيث تتواجد الأسيرات، تقول ملاك:" عندما دخلت غرفة السجن صدمت من واقع السجون الإسرائيلية، لم أكن أتصور أن أكون في يوما من الأيام أسيرة وأرى معاناة الأسرى بعيني، كانت تجربة قاسية".
لكن ملاك وجدت أخوات وصديقات لها في الأسر خففن من حزنها وخوفها، وأخبرنها أنه سيتم الافراج عنها قريبا، لكنهن لم يعلمن أن القضاء الإسرائيلي بجبروته سيحاكم طفلة صغيرة بتهم باطلة.
خضعت ملاك لست محاكم، وفي المحكمة الأولى كانت تتوقع أن يصدر حكم الافراج عنها، لكنها صدمت حين سمعت بقرار تأجيل المحكمة، وفي الجلسة السادسة صدر قرار سجنها لشهرين قضت منهم 35 يوما، وفرض غرامة مالية 6 الآف شيقل، ووقف تنفيذ لثلاث سنوات.
أما عائلتها التي لم تكن تتخيل يوما أن ترى طفلتها الصغرى مقيدة وفي الأسر، إذ حضرت عائلتها الجلسات الثلاثة الأولى، وفي أول جلسة كانت لملاك أمنية صغيرة وهي أن تضعها والدتها في جيبها وتأخذها معها. وفي أخر جلسة بكت في داخلها عندما سمعت الحكم، لأنه كان يفترض أن تكون على مقاعد الدراسة وليس في الأسر.
عذاب البوسطة
[caption id="attachment_61566" align="alignleft" width="300"] ملاح أطلق سراحها وكانت بذلك أصغر أسيرة محررة في العالم/ عدسة: شذى حماد[/caption]أما عن رحلة العذاب في البوسطة، فتقول ملاك:" كانوا يوقظوننا الساعة الثانية فجرا، ويضعوننا في البوسطة كلها حديد، المقاعد حديدية باردة، والبوسطة رائحتها كريهة جدا، كانوا يضعون الكلاب معنا، منعت من الحديث مع أي من الشبان الفلسطينيين المتواجدين في البوسطة"
وتصف ملاك تلك الرحلة الشاقة من سجن "هشارون" إلى سجن "عوفر"، إذ كان سائق البوسطة يتعمد أن يقود لمسافات طويلة وبطريقة جنونية، حتى إذا ما أراد الأسير أن يغفو قليلا حتى يجد نفسه يرتطم بالحديد، وبعد ساعات طويلة يعود الأسير منهكا إلى قسمه.
خلال الشهرين علّمت الأسيرات ملاك التطريز، كوسيلة لإلهائها عن التفكير بأشياء أخرى، لأنهن يدركن أن الوقت عدو الأسير وإذا لم تنشغل ملاك بشيء ستبقى تفكر بطريقة اعتقالها وضربها والتحقيق معها.
وتقول:" كانت تمر علي لحظات أسترجع فيها ما حصل معي، وتتسائل لماذا اعتقلوني؟ لم أفعل شيئا! ماذا لو خطفت طفلة إسرائيلية أو حتى أذاها فلسطيني؟ كانوا سيزيلون فلسطين عن الوجود. أما الطفل الفلسطيني لا حقوق له.
لحظة لقاء الأهل
[caption id="attachment_61567" align="alignleft" width="300"] ملاك الخطيب لحظة لقائها بأهلها يوم إطلاق سراحها[/caption]لم تكن تعلم ملاك مسبقا بموعد الإفراج عنها، وأخبروها في نفس اليوم الذي كان من المقرر الإفراج عنها، فرحت كثيرا ولكن لم تكتمل فرحتها لأنها ستخرج وهناك أسيرات ما زلن يقبعن في الأسر.
وعن لحظة لقائها بعائلتها، تشير ملاك إلى أنها شعرت أنها غابت عنهم عاما أو أكثر، إلا أنها فرحت كثيرا برؤيتهم وتفاجئت بوجود صحفيين في المكان، مضيفة عندما رأى الجندي الصحفيين فك قيدي بسرعة قبل أن يلتقطوا لي الصور.
تختتم ملاك قولها:" شعرت وكأني تركت طفولتي معتقلة في الأسر، فالاحتلال لا يريد لأطفال فلسطين أن يعيشوا طفولتهم، تعلمت شيئا واحدا من هذه التجربة أنه رغم قساوة السجن يجب أن لا نستسلم، ولذلك قررت أن أكون محامية.