"عالقة في التوبة" هكذا قالت لـ"السر"، ومشت.
حينها، ضاق صدرها به، فالذي خبأته منذ عام واختفى مع الإهمال، يظهر الآن أمام صمت مفاجئ، ولا تقوى على دَوخة القدَمين في حضور الحب، ولا تقوى أيضًا على قبلة تقتنص فيها اللحظة؛ كان عليها الخطو سريعًا حتى نهاية الممر الذي تفوح منه رائحة الخبز، أمام العمّال الذين يحملون إلى جانب سمرتهم، لون الطحين.
على الجانب الآخر، الأسوأ في معادلة حياة أوتيك، إلحاح من شخص يعشق تفاصيل الجسد فيها، ولا يكف عن إغراقها بتعابيره الشهية، ولو بأقل ما يمكنه، حين تبدي تقززها. تخافه وتطمئن صراحته، لكنها أكثر.. تخاف من نفسها، التي سمحت له يومًا بتقبيل يديها، وأشياء أُخَر.. دون أدنى رفض منها، كأنها اعتادت، أو تجمدت أمام صدمتها بنفسها، لتظل بعدها ذاهلة في العويل!
لن تنتظر الشرقيّ حتى يخرج من أناه، وخشيته المغامرة. قررت أن تغامر، ليس لأنها تحبه فقط، إنما لتنجو بنفسها من احتمالات أخرى بغيضة ترهق صلاتها، وتربك علاقتها بالخالق، وتتساءل.. أين كان حين خانت إيمانها به، وهو الذي يدرك عمق محبتها ودهشتها في كل ما أورث الكون من إبداع؟ لمَ لم ينقذها من تلك القبل، هل كان مشغولًا بأيام ستة أخرى يصنع فيها آدمًا وحواء آخرين، ليقعا في خطيئة إجاصَة؟!
هو أيضًا كان يشبه الله في تركها على ناصية الاحتمال، واختبار قدرتها في خوض تعاستها وحدها، في الوقت الذي ينشغل بمواعدة أخريات يناور وإياهن طاقته على الاكتفاء من كل النساء قبل أن يجف حلقه في كلمة لها تكفيها!
"عالقة في التوبة" هكذا قالت لـ"السر"، ومشت.
يومها، أعلنت أوتيك، التي تتذيلّ بتاريخ رآه والدها ذات نزوح في تونس، غضبها؛ من كلّ الغرابة التي تحملها، وكل سؤال كان استهجانًا أو من مجاملات اللقاءات البكر، "واو يا للاسم الجميل.. ما معناه؟".
قالت له: يئست منك.. صحيح أنك أنقذتني، لكني أشعر بجثتي التي تطفو منتفخة بكل خيباتي في حبك! .. أوَ لستَ من أهداني كتاب الغريب الذي قال "الإحساس بالدفء أهم من الدفء"؟ أم نسيت خطوطك الحمراء تحت مفضلاتك من العبارات فيه اللاتي حفظتهن عن ظهر قلب، فقط لأن يدك دونتها؟! يا حبيبي أنا لا أحس هذا الدفء!
يقول: تسرّعنا.. أنا لا أتقن الحب!
تبتسم. تضحك. تقهقه. ويدُ الجنون تمَسها، وهو على مقعده المريح، يعتني بفكّه كي لا يحتك بصخب الفراق.
لا شيء تفعله أوتيك، سوى فتح صنبور الأغنيات في هاتفها "العتيق" عبر إذاعة محلية تدّعي أن الملايين يسمعونها، ثم تشرع بالرقص. تتثنّى. تتعرّى من الدمع. تضحك بصخب على كلمات لا تفهمها، والهدهد على خديها يستريح. تفكر "إن لحظة بذيئة كما تلك، تستحق كل هذا الابتذال".. وتكمل التلوّي في صخب الموسيقى الناشزة!
"عالقة في التوبة" هكذا قالت لـ"السر"، ومشت.
ذات حزن هاتفَت ذاكَ الشبِق، لتضرب معه موعدًا للانتقام، أو للاختباء من محاولاتها الفاشلة، وهو لم يتردد أبدًا في العودة رغم أنها تخلت عنه بكلمتين أهانتا كرامته "أنت لا تناسبني".. تفكر "لم يتردد؟ هو يريد الجسد. والقلب، لا ضير إن ظلّ ملك غيره" ألم يقل كاتب أخرقٌ يومًا، إن المرأة تستطيع النوم مع رجلٍ غير زوجها دون أن ينقص من إخلاصها شيء؟!".
الإخلاص.. هي لا تنسى حين قال لها "اشتعال اللحظة بين اثنين لا يلغي حب أحدهما لثالث بعيد، وهنا يكمن المعنى"، حينها ظنته ملحدًا بالحياة، والآن بدأت تفهمه!
"عالقة في التوبة" هكذا قالت لـ"السر"، ومشت