شبكة قدس الإخبارية

كبرياء منتهك

أحمد يوسف
ارتدى ثيابه و غادر الحجرة ، بينما بقيت هي مستلقية على سريرها بلا غطاء ، كان الصمت هو العنوان الوحيد لتلك اللحظات ، لم يعلق على عجزه ، و لم تسأل ، لم تلتق نظراتهما كذلك ، ارتدت ثيابها و تبعته إلى مكتبه ، أشعلت الضوء ، فوجدته جالسا خلف طاولته ، واضعا رأسه عليها في هيئة النائم ، ويديه حول رأسه ، لم تسمع صوته ، لكن ارتعاشة جسده فضحته ، اقتربت منه ، وقفت للحظات ، ثم مدت يدها المرتعشة خجلا من كبريائه المنتهك ، و ما إن بلغت يدها شعره حتى انتفض ، فبدا وجهه واضحا لها ، مرة وجنتيه ، عيناه اللتان غطاهما الدمع ، لم تكن قد رأته على هذا الحال من قبل ، مدت يدها لتمسح دموعه ، فأمسك بها و شد عليها ، قال
  • لا أحب أن يشفق علي أحد
  • هو الحب
  • ليس لدي ما تطلبين ، لن أقدم لك من الحب إلا الكلمات
  • تكلم إلى طبيب
  • أعرض عجزي على الأطباء؟ صمتت فأضاف
  • دعيني وحدي لم تستجب لطلبه ، و لم تنتبه للدمع الهارب من عينيها بصمت ، صرخ بكل قوته، إلا أن صوته جاء منتحبا
  • اخرجي أرجوك
نطقت دموعها فجاء صوتها عاليا ، انسحبت إلى حجرتها ، ارتمت على سريرهما محتضنة صورة التقطتها له فور الإفراج عنه ، قبل زواجهما بشهرين ، ظلت تبكي حتى غلبها التعب و استسلمت للنوم. لم تنم لأكثر من ثلاث ساعات ، استيقظت مرهقة بسبب نومها بوضعية خاطئة ، لم تجده إلى جوارها ، ذهبت إلى المكتب فوجدته نائما على كرسيه ، و أمامه على الطاولة أوراقا و فنجان قهوة ، كتب عليها ثلاث كلمات فقط..."الآن هزمتني إسرائيل" ، استيقظ ، فابتسمت له و قالت
  • سأحضر لك الإفطار
أذهلته قوتها ، فقد تحضرت كعروس حققت في ليلتها أقصى أحلامها ، استقبلت أهلهما بسعادة غامرة ، مضى يومهما الأول جميلا ، فقد سرق منها بعض قوتها ليبدو سعيدا كعريس ، نجحا في إخفاء ما حدث عن الجميع ، كره أن تمر الدقائق ، خوف أن يأتي وقت رحيل أهلهما ، فقد استلذ الكذبة التي عاشها أمامهم حول قوته ، علم بأنه سيدفع من روحه ثمنا باهظا لكذبته تلك ، فقد عاد بعد رحيلهم لخلوته في مكتبه ، و استسلم للبكاء كطفل. لم يبق منه إلا الكتابة و الغياب ، يقضي وقته بينهما ، فيخرج لساعات دون أن تعرف وجهته ، ثم يعود مرهقا بشكل غريب ، فينصرف إلى مكتبه و يكتب ، ثم يعود آخر الليل ليستقر إلى جوارها على السرير ، أما هي فقد عادت لتخوض غمار معركتها التي عاشتها لسنوات قبل الزواج ، فتقمع بعنف رغبات أنوثتها ، و التي انتظرت الإفراج عنه لسنوات حتى تنال حريتها ، و في ليلة الحرية ، وجدت نفسها تواجه حكما بالسجن المؤبد.. بعد أقل من شهر ، استلقت في سريرها متظاهرة بالنوم كعادتها ، لكنه لم يحضر ، انتظرت لساعات دون جدوى ، غلبها النعاس أخر الأمر فنامت ، لم يكن بجوارها في الصباح ، توجهت لمكتبه فلم تجده ، كانت أوراقه على الطاولة ، قررت قراءتها للمرة الاولى ، روى فيها مذكراته داخل سجون الإحتلال ، تحدث عن أصناف من التعذيب ، لم يكن قد باح بها من قبل ، قرأت بشغف ، لم تتوقف للحظة ، كانت دقات قلبها تتسارع مع استغراقها في القراءة ، ختم كلامه بالحديث عن رجولته المقهورة ، و كبريائه المنتهك في حضرة من يحب. خارت قواها ، تمردت دموعها السجينة مع رغباتها منذ زمن ، و ما إن انتهت من القراءة ، حتى وصلها خبر مقتله ، حدث ذلك بعد اقتحامه مع صديق له معسكراً للجيش. يوم استلمت جثته قالت لمن جاءوا يعزونها.."تزوجني لينجب مني طفلا يورثه عبقريته العسكرية و يشاركه الشهادة ، بعد أن علم بأني عاقر لا أنجب ، استعجل الشهادة "!!