توقف إطلاق النار ودوي المدافع ولم يتوقف هدير التصريحات والاتهامات الموجهة بالاستقواء بالمحاور والتحالفات الاقليمية ومن يتخذ قرار الحرب والسلم، وحكومة الظل في غزة، كما توقف الحديث عن إعادة الإعمار، وكأن دماء الضحايا والبيوت المدمرة لم تعد تعني شيئ للمسؤولين سوى اسماعنا اصواتهم تصدح في انه لن يكون هناك إعمار ولا فتح للمعابر، وغزة سيبقى وضعها على ما هو عليه بدلا من تحميل العدو المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية عن الجرائم التي ارتكبتها و التدمير والقتل، ومطالبة المجتمع الدولي القيام بواجباته وتحمل مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية عن التدمير والقتل وضرورة محاسبة مجرمي الحرب من دولة الاحتلال.
الحال هو الحال، المؤشرات تؤكد ان الانقسام مستمر وربما سيعمق اكثر، في حال لم يتم اقتناص الفرصة و اتخاذ قرارات شجاعة ومصيرية من أجل الوطن وإنصاف الضحايا، كذبنا على انفسنا اثناء العدوان وكنا نقنع انفسنا بالوحدة و المناخ التصالحي والأمل والتفاؤل والتآخي، والصبر والصمود والتسامح وقبول الاخر، الى ان جاءت ساعة الحقيقة وأصبح القلق والوجع يؤلمنا اكثر.
من سوء طالعنا ان تحكمنا قيادة تغلب مصالحها الحزبية على مصلحة الوطن، وتعتقد انها تغلب المصلحة الوطنية العليا، ونحن مستمرون في التعايش والتكيف مع الحال السيئ منذ سبع سنوات، وكارثة أن يستمر الحال على ما هو عليه من دمار وخراب وقتل و تنكر لدماء الضحايا والنازحين والمشردين.
لم يعد في وسعنا العيش مع هذه الحال والهروب منها وعدم مواجهتها في وجود هموم وأوجاع الضحايا والاحتلال والعدوان والاستيطان، وتهويد القدس، والعدوان والقتل والشهداء والجرحى، والأسرى والمفاوضات والمقاومة، والخلاف والاختلاف، والمصالحة، والهم اليومي، والكهرباء ومياه البحر الملوثة، ومياه الشرب غير الصالحة للاستعمال الادمي، والرواتب والفقر والبطالة، وشظف العيش والبؤس والشقاء.
الفلسطينيون والضحايا ينظرون بقلق وشك إلى التصريحات الصادرة عن المسؤولين في السلطة ويتساءل هؤلاء: كيف ستتم عملية الأعمار عن بعد في ظل حكومة الوفاق ولم يتم الوفاق وما زالت حركة حماس تسيطر على القطاع والاتهامات الموجهة لها بتشكيل حكومة ظل، وفي وقت لم تستشر السلطة أي جهة في القطاع، بما فيها مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص اللتين تعتبران جهة أساسية في إعادة الأعمار، وعمليات الإحصاء والتوثيق والدراسات الحقيقية لحجم الدمار الهائل لم تنته بعد، وكيف تصدر التقديرات بتكلفة الاعمار تم وضع الخطط بهذه السرعة؟
وكما ينظر الفلسطينيون في قطاع غزة بشك وريبة لحملة الاتهامات، فإنهم ينظرون أيضاً من المنظار نفسه إلى توقف الحديث عن إعادة الاعمار وتأجيل انعقاد المؤتمر، وعدم قيام المجتمع الدولي بدوره ومسؤولياته وبذل الجهود الحقيقية للقيام بدوره، وهم كانوا جزءاً أصيلا من الحصار المفروض على القطاع وصمتهم ومشاركتهم في العدوان على القطاع.
الأموال الأوروبية والأميركية ربما تعيد بناء ما بناه في السابق الأميركيون والأوروبيون، ودمرته أسلحة الطرفين! لكن هل يمكن أن تعيد هذه الأموال إلى الفلسطينيين "الأرواح" التي حصدتها قوات الاحتلال؟ وهل يمكن أن تعوض هذه الأموال العذابات والمعاناة التي عانها مليون ونصف المليون فلسطيني في القطاع، وأكتر منهم في الضفة وملايين البشر عبر العالم المتضامنين معهم، بمن فيهم أوروبيون وأميركيون؟
الفلسطينيون خاصة في غزة بأمس الحاجة لمن يمد لهم يد العون والعمل على إعادة ما تم تدميره، وهم أيضاً بحاجة إلى ضمانات من العدو الصهيوني بعدم استهداف منازلهم ومقرات السلطة والبنية التحتية التي استثمرت فيها أوروبا على مدار عشرون عاماً بلايين الدولارات، وعدم تكرار متوالية التعمير من قبل الأوربيين والتدمير من قبل إسرائيل.
إن المشكلة لدى الفلسطينيين ليست في عملية الإعمار ومن يقوم به، بل في استمرار الاحتلال، وعدوانه على الفلسطينيين، ولن يفيد إعمار غزة من دون أن يتم محاسبة المسؤولين من الصهاينة وملاحقتهم قانونيا وان يعترف العدو بحقوق الفلسطينيين.
اذا لم نقوم بواجبنا ووقف الاتهامات يبقى السؤال إما المصالحة وإما هدر حقوق الضحايا، فالبدء في حوار حقيقي واتخاذ خطوات لبناء النظام السياسي وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً هو الحل لحالنا، وإلا سيبقى حالنا على ما هو عليه ويضيف لهمنا اليومي وأوجاعنا وجعاً كبيراً، وسيدفع الضحايا وذووهم ثمنا اضافيا من دمهم وسيفلت المجرمون من المسؤولين الصهاينة من العقاب، ونكون بأيدينا حجبنا شمس الحرية عن وطن الحرية، وتداس الكرامة والحقوق والعدالة غائبة، وتغيب من أجل برامج سياسية متنافرة.