إن كُنا شعباً نحمل من التناقضات ما لا طاقة لنا به ولمجرد أن رضى المسؤول لدينا فوق رضى الله وضميرنا فلا تستغربوا أن تَسخر مِنا الأمم ويقودنا أوباما ونتنياهو خارج نطاق خطتهم كالقطيع.
اليوم مثلا، انسحبت من مظاهرة نسقها مجموعة من الشباب وأهالي الأسرى ضد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لأنني غير مستعدة أن أبدو بلهاء على الأقل أمام نفسي، ولأنني لن أقف في مكان تُحرق فيه صورة أوباما وتُرفع فيه صورة محمود عباس "حلفاء الزمن القادم"، كان علينا أن نحرق الصورتين معا وكل الأيدي الممتدة للسلام المُخزي والمُذِل.
قِمة المَهزلة أن تخرج مظاهرة ضد زيارة الرئيس أوباما ثم يأتي أحدهم بلافتة "طويلة عريضة" عليها صورة (قائد حالو) محمود عباس وشعارات تضامنية تُمجده وتدعو للإلتفاف حوله، مع أن المظاهرة وبجهود منسقيها وبمشاركة أهالي الأسرى كانت ناجحة بغض النظر عن العدد.
أما المهزلة الثانية فهي قدوم "أحد المسؤولين لمكان المظاهرة" ليتكلم عبر وسائل الإعلام، وبأي إتجاه يكون تملقه لا أدري، ما أنا متأكدة منه أن هناك شيئين في وطني يظلان بحاجة للتلميع وهما:"الحذاء والمسؤول".
لن أكتب عن الأهداف الخفية لزيارة أوباما فلربما مل القارئ مما سمعه وشاهده عن الموضوع، ولن يجدي أن نحتج ضد الزيارة لأنه وببساطة لدينا رئيس يتحول الصراخ على مسامعه كالهمس عندما يتعلق الأمر برغبة الشعب، فهذا الذي يستقبل أوباما وهو يعلم أنه مبعوث أسرائيلي قبل أن يكون رئيس أمريكي لن يجيد الإحساس بشعب ضاق ذرعا من تصرفاته، ولديه من الغباء السياسي ما يكفي أن يستقبل رئيس رفض الإعتراف بدولته المزعومة في الأمم المتحدة واستخدم الفيتو ضد قضية الشعب الفلسطيني لأكثر من 48 مرة.
بإعتقادي أن السلطة لا تكتفي بكشف المسؤول على حقيقته بل تُقزمه لدرجة أننا سنحتاج فيما بعد لمجهر كي يكبر في نظرنا، لذا آن للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يعيد النظر في تصرفاته وأخطاءه بحق الشعب الفلسطيني، فلسنا مضطرين لدفع متاجرته بنا مقابل الدعم الأمريكي له، نحن من صادر حقنا بالمقاومة بحجة ملاحقة ما يسمى بالإرهاب الفلسطيني وضيق علينا في لقمة عيشنا وعبَدَ للشباب كل الطرق المؤدية للهجرة.
بما أننا الشعب الوحيد الذي يحمل بيمينه تاريخا من الثورات وبيساره مستقبلا من الهزائم.
بما أننا ضقنا ذرعا ولم نقل "لا".
بما أننا الوطن الوحيد الذي تعاقب حكومته مواطنيها بتهمة طول اللسان وتُكرم وزراءها على العهر في الكلام، تماما كما حصل مع أنس عواد ووزير العمل أحمد المجدلاني.
بما أننا الشعب الوحيد الذي ينتظر بشغف إنتخابات العالم ،فيترقب مَن النازي الجديد في إسرائيل وسادي العصر في أمريكا والمهدي المخلص في مصر وينسى حقه في الانتخاب.
بما أن حكومتنا هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تفتح الطرق للغرباء وتوسعها بإزالة خارطة الوطن التاريخية خوفا على مشاعرهم. بما أننا كل هذا وذاك علينا أن نعرف جيد كيف نقول (لا) في وجه كل من يجيد قول (نعم) لأمريكا وإسرائيل ورأسه بالأرض يجب أن نتدرب على فعل (لا) ولا نكتفي بقولها ونتحمل المسؤولية كشعب وكفصائل وكمثقفين، فبناء باب الشمس لن يُدخلَ الشمس إلى رطوبة منازلنا المُحتلة ولن يخيف مستوطناً تجرأ على أرضنا وعرضنا، ما يجب أن نفهمه أن المقاومة الشعبية يبطل مفعولها في مرحلة معينة، ونحن وصلنا لهذه المرحلة منذ فترة طويلة وآن لنا أن نسأل بعد التجربة: هل سيبقى مستوطن في الضفة الغربية إن كانت المقاومة مُسلحة! وهل سيجرؤ أوباما فيما بعد على زيارة شعب تمرد على حق!