جاءت ردود الفعل الفورية على مقتل الفتى محمد أبو خضير، حرقاً بالنار، وهو حيّ، وبعد تعذيبه البشع الإجرامي، لِتؤكد أن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية ومناطق الـ48 وقطاع غزة وعلى نطاق مخيمات الشتات ما زال متمسكاً بوحدته التي لا تنفصم، وبنصميمه على المقاومة التي ما أن تهدأ حتى تنفجر ليتحقق في أقرب الآجال، إن شاء الله، دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط. وذلك في الطريق لتحرير فلسطين كل فلسطين.
لقد مادت الأرض تحت نتنياهو وهو يحاول السيطرة على مخيم شعفاط الذي انتفضت جماهيره غاضبة لمقتل شهيدها محمد أبو خضير. وقد راحت تتصدّى لقوات الاحتلال فاضطرتها على التراجع وترك شعفاط شبه محرّرة. وأما ردود الفعل التي شملت المدن والقرى في مناطق الـ48 فقد كانت الأبرز والأسرع والمفاجَأة. وهو ما جعل حكومة العدو تحذّر من أن تؤدي هبّة تلك المدن والقرى إلى اندلاع الانتفاضة والمقاومة في الضفة الغربية. العدو الصهيوني يعيش اليوم أسوأ مأزق في تاريخه بعد أن أصبح عاجزاً عن إعادة احتلال قطاع غزة، أو ترويض مقاومته المسلحة، وعن ضرب المقاومة في جنوبي لبنان، وبعد أن دخل في عزلة متزايدة أمام الرأي العام العالمي الذي كان سبباً رئيساً من أسباب وجوده وإقامته وحمايته ودعمه. ويكفي أن نلحظ تدهور السيطرة الغربية الأميركية – الأوروبية عالمياً وإقليمياً (عندنا) لينعكس ذلك، بالضرورة، تدهوراً في وضع الكيان الصهيوني الذي ما كان له أن يوجَد على أرضنا في فلسطين ويتوسّع ويتغطرس لولا الدعم البريطاني – الأميركي – الأوروبي له حكومات وجيوشاً ورأياً عاماً.ويتأكد هذا التقدير لوضع العدو من خلال ما راح ينشب من صراعات وانقسامات داخل الائتلاف الحكومي بالرغم من الأزمة السياسية الخانقة التي تفاقمت إثر اختطاف الجنود الثلاثة، وإثر ردود الفعل على مقتل محمد أبوخضير، كما في ظل اندلاع حرب صواريخ متبادلة بينه وبين المقاومة المسلحة في قطاع غزة. ثم أضف انضمام كل الفصائل للمشاركة مع حماس والجهاد ولا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فقطاع غزة راح يقدم نموذجاً للوحدة الوطنية في ظل وحدة الشعب كله.
فالوضع في فلسطين دخل مرحلة جديدة منتفضة ومقاومة ضد العدو الصهيوني. هذا ويجب أن تثمَّن عالياً حراكات الشباب والفتيات الناشطات وقد أخذت تبث روحاً وثَّابة طليعية، ومبادرة، في النضال الفلسطيني في كل من ميادين المواجهة والإعلام. ولكن لا بدّ أمام هذه الإيجابية العظيمة أن ترى السلبية الشديدة التي تمثلها الأجهزة الأمنية ربيبة دايتون وما تتمتع به من غطاء محمود عباس ومن يدافعون عنها.
وخلاصة، يمكن القول أن الانتفاضة الشاملة المستمرة قادمة لا محالة. وأن المقاومة في أقوى حالاتها في قطاع غزة، بالرغم من الحصار المعيب، وأن ما مثَّله اختطاف الجنود الثلاثة وما سبق من عمليات يلوحان بانطلاقة جديدة. وعلى الجانب الصهيوني يمكن القول أن العدو يتخبط في قراراته ويعاني مآزق متلاحقة داخلياً وخارجياً وقد دخل في مرحلة الانحسار والأزمة مع الرأي العام العالمي والتراجع الأميركي – الأوروبي. فالمعادلة توحي بنصر قريب وإن رآه البعض بعيداً.