شبكة قدس الإخبارية

"نتنياهو" الذي صعد على الشجرة ولم ينزل

فيصل الرفاعي

يذكر تاريخ المقاومة الفلسطينية سيل طويل من عمليات أسر جنود الاحتلال وعمليات تبادل عظيمة كانت ومشرفة, تؤكد دائما على قدرة المقاومة الفلسطينية على الإبداع الدائم والمستمر, وعلى قدرة العقل المقاوم الفلسطيني على إيجاد وسائل وسبل للمقاومة لا تخطر على بال الإحتلال وأجهزته الامنية.

بتاريخ 13-12-1992 قامت الوحدة الخاصة في كتائب القسام بأسر الضابط في جيش الاحتلال "نسيم طوليدانو", كانت تلك العملية الاولى من نوعها التي تحدث داخل الأراضي المحتلة ويتم الحديث فيها بشكل مباشر عن تبادل للأسرى؛ في حينه جنّ جنون رئيس حكومة الإحتلال "رابين" وأحس بصعوبة المهمة. ولكن المهلة كانت قصيرة, فبعد يومين على خطف "طوليدانو" عثروا على جثته على طريق القدس - اريحا مما دفع الإحتلال لشنّ حملة اعتقالات في صفوف الحركة الإسلامية طالت الآلاف من مناصري حركة حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة لإغلاق الضفة الغربية والقطاع بشكل كامل, ثمّ تطور الأمر لإبعاد 420 معتقل من حماس والجهاد إلى مرج الزهور في لبنان. ما حدث لاحقا هو أنّ إرادة الإحتلال انكسرت, والمقاومة زادت حدتها في فلسطين وملف الإبعاد تم طيه بعد عام واحد فقط وخسر رابين.

بعيدا عن تحليل الأحدث والبحث عن ادلة حول وجود عملية أسر في الضفة الغربية من عدمه, فإنّ ردة فعل الإحتلال حول ما جرى في الخليل هي روتينية ولا ترقى حتى لمستوى الحدث الذي يدعيه الإحتلال حتى اللحظة.

ما فعله الإحتلال نستنتج منه أن ردة فعله تندرج حتى اللحظة ضمن سياستين: الأولى إعادة الإنتشار. والثانية إعادة الإعتقال.

فعليا, وعلى مدار تاريخ عمليات الخطف في الضفة الغربية كان الرد الأولي للإحتلال هو إغلاق للمناطق ثمّ الشروع في عملية اعتقالات جماعية عشوائية تطال كل من له صلة بالعمل المقاوم. بمعنى أنّ ما يفعله الإحتلال في الضفة الغربية منذ أسبوع هو فعل روتيني بعد أي أنباء حول عمليات اختطاف.

كل هذا بالمجمل يشير إلى نقطة واحدة مهمة جدا, ألا وهي أن الإحتلال فعليا حتى اللحظة لا يملك أدنى معلومة حول مكان وجود "المستوطنين".

وهنا مأزق نتنياهو الكبير, ففي الحالة السياسية داخل "اسرائيل" قد يغامر الإحتلال بالإعلان عن عمليات وهمية مثل إطلاق نار أو مقتل جنود لأهداف سياسية أمنية -وقد حدث هذا مسبقا بالفعل-.

لكن لا يمكن أن يغامر الاحتلال بالإعلان رسميا عن إختفاء جنود او مستوطنين لأن ذلك يستدعي أن تكون نهاية الحملة او العملية واحدة من عدة أمور:

أولها: إما أن يقوم جيش الإحتلال وأجهزته الأمنية بإعادة المختفين سالمين وظهورهم على شاشات التلفاز وهم في حالة سليمة.

ثانيا: أو أن يظهر نتنياهو في وقت لاحق ليعلن بشكل رسمي إختفاءهم وعجز قواته عن العثور عليهم.

ثالثا: أو أن يظهر إعلان تبني من إحدى الفصائل وهو ما يفتح الباب للدخول في عملية مفاوضات حول شروط التبادل, وأيضا يفتح الباب أمام الإحتلال للبحث عن أدلة وخيوط جديدة حول هوية المنفذين.

كل هذه الإحتمالات الثلاثة تضع نتنياهو أمام اختبارات قوية, أمام الجمهور "الاسرائيلي", في الحالة الأولى - إعادة المختفين سالمين- سوف تجعل من نتنياهو بطل جديد وقد ناقش العديد هذه الإحتمالية من باب كون نتنياهو أصلا يعيش مأزق سياسي في المرحلة الحالية وهو يبحث عن نصر, أي نصر حتى لو كان وهمي, مما سيؤثر على العملية الانتخابية القادمة.

في الحالة الثانية - وهي الإعلان عن اختفائهم رسميا- سوف يثبت فشل الجيش الاسرائيلي واجهزته ويثبت أنها أجهزة ضعيفة غير قادرة على حماية أمنها وامن "اسرائيل" المزعوم وأن كل ما كان يروج عن قوتها ثبت فشله وفشل المنظومة الأمنية عموما.

أما في الحالة الثالثة -إعلان الفصائل مسؤوليتها عن العملية- سيثبت فشل كل محاولات الإحتلال باستئصال المقاومة في الضفة الغربية, وأنّ المقاومة الفلسطينية متجددة دائما وقادرة على المعجزات وأنّ كل الجهود المبذولة لكي الوعي الفلسطيني المقاوم وعمليات التدجين التي بدأت منذ بناء الجدار العازل قد باءت في الفشل على مستوى الضفة الغربية.

لذلك كله يتجه حاليا نتنياهو للتصعيد في إجراءاته "الروتينية", فهو يعمل حاليا على أن تكون الخطوات الروتينية التي اتخذها منذ أول يوم -اعادة الانتشار والاعتقالات العشوائية- يحاول أن يجعل منها سياسات وأهداف بحد ذاتها بحيث يقدم شيء ولو بسيط أمام جمهوره ليقنعه بأنّهم ما زالو يمسكون بزمام الأمور, وأنّهم حققوا أهدافهم.

من هذا المنطلق أيضا تخرج اتهاماته لحركة حماس, هو لحد اللحظة لم يقدّم أي تصريح او اثبات أو دليل على وقوف حركة حماس خلف ما حدث, لكنه أيضا بحاجة إلى كبش فداء ليحمله المسؤولية, لذلك يقوم بإعادة انتشار في العديد من المناطق بحجة السيطرة على "منابع الإرهاب", وهو الأمر الذي نشاهده يوميا منذ أسبوع سواء في مدينة الخليل او مناطق أخرى في الضفة الغربية.

ثم إنّه سيقوم بتطوير حملة الإعتقالات العشوائية كي تصبح عنوان رئيسي وربما سنشهد عملية ترحيل للعديد من المعتقلين أو ابعادهم -عملية الإبعاد هذه حذّر منها العديد من المسؤولين الصهاينة بحيث أنها ستقوم بإعادة توجيه عدسات الإعلام نحو فلسطين من جديد وستخطف الأضواء من موضوع اختفاء الجنود-. لكن, تاريخيا, كل تلك المحاولات ثبت فشلها سابقا, فمع كل عملية اعتقال كنا نشاهد تصاعد لعمليات المقاومة, ومع كل عملية اعادة انتشار كانت المواجهات تتصاعد بشكل أكبر.

هذا كله يشير كما ذكرت في البداية أنّ نتنياهو يتخبط ويعيش في مأزق كبير لا يستطيع الخروج منه, وسياسته الوحيدة هي تصدير الأزمة.

فلا هو قادر على إعادة جنوده الذين اختفوا في كومة قش. ولا هو قادر على إعلان فشل العملية. وبين هذا كله يبقى نتنياهو كالذي صعد إلى شجرة ولا يعلم كيف ينزل عنها.