"كانت صعبةً جداً يا ابني المحاضرةُ الأولى بعد وداعك، وهناك تعلمت منك أن أكون أباً لخمسةٍ وثلاثين طالبٍ وطالبة، أمنعهم من البكاءِ في المحاضرة، وأدعوهم إلى تجاوزِ الخوفِ وبناءِ المعنى والقيمةِ من الموتِ في فلسطين، واستعادةِ الراحلين دموعًا خفيفةً وابتساماتٍ صعبةً بمستقبلٍ لا يغيبون عنه، بل يصنعونه بكل أناقة وفخر".
كلمات المحاضر في جامعة بيرزيت أ.صالح مشارقه ، كان دائم الابتسامة، لم يتجهم قطّ، طوال الساعات العشر التي امضيناها سوياً حينَ كان مُحكّماً لمسابقة مناظرة الجامعات الفلسطينية، لكنني وجدته يرسمُ بوجعِ قلبه، وبألمٍ لم يتسعهُ كيانه، بضعَ كلماتٍ يرثي بها طالبه الشهيد ساجي درويش، يرثي بها ذلك الحاضر في سجل الحضور والغياب الى نهاية الفصل ...
أتساءلُ يا أستاذنا الكبير، هل سرُّ الابتسامة في وجهك بعد رحيلِ ساجي، هو وجعُ الفراق؟ اذا كانت الاجابةُ نعم .. فبئسَ الحزنُ حتى الموت .. ! واذا كانت الاجابةُ لا .. فكم استغرقت الحياة، لتصنعكَ عظيماً تكسرُ حواجزَ الموتِ .. بثباتِ الرجال .. وبمعانِ لا تصفها كلمات،،،
أتعلمُ يا أستاذ الشهيد .. ويا تلميذ الشهيد .. أعتذر إن تجرأتُ على وصفك بالتلميذ، لكننا تلاميذٌ نتعلمُ من من دماء الشهداء النازفة، أن من رحل .. هو الكلمة، والدرس، والقلم .. أتعلمُ كم أتساءل .. إلى متى سنبقى نستقبلُ أحبتنا وأصدقاءنا .. وربما أنفسنا شهداء؟؟ وإلى متى سنواري في تفاصيلِ وزوايا أرواحنا أرواحاً لم ترتكب من الخطأ سوى أنها عشقت حروفاً ستة .. اسمها فلسطين؟