هناك شابّ ما في غزة، يعتقدُ أنّ غزة أبشع المُدن و بحرها أشد البحار ملوحةً وهيجاناً وقسوة و يريد السفر بأيّ شكل ليسكن في مدينةٍ أجمل، بحرها أجمل، لا أسوار تحدّها ولا حصار يخنقها.
افتحوا معبر رفح كي يجرب هذا الشاب مدينةً أخرى و بحراً آخر، افتحوه كي يدرك أنّ غزّة هي الأجمل.
هناك طفلة صغيرة لم تكمل سنواتها الأربع ربما، تُسائل أمّها كل ليلة عن شكل اللعبة التي أحضرها لها والدها العالق على معبر رفح منذ أسابيع، كلّ ليلةٍ ترسمُ لها الأم شكل لعبةٍ جديدة، وتنام الطفلة و هي تحلُم باللعبة، و بالأب المحمل بالهدايا.
افتحوا معبر رفح كي تتفرغ مخيلة الطفلة لأشياء أجمل، أتعبتم قلبها من اللهفة والانتظار!
هناك والد الطفلة المشتاق، ينام ليله على رصيف المعبر ينتظر فرج الله، يعدّ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ، ويحفر بغصّة على الرصيف الذي يفترشه عدد المرات التي تخيّل فيها ابنته وهي تفتح الهدية وتتلوّن كقوس قزح من الفرح ( لم يرها ملونةً منذ زمن) كلّما تخيلها يحفرُ "غزة" بأسى و يبكي قهراً وعجزاً واشتياقاً ومرارة.
افتحوا معبر رفح حتى تظلّ للمقهورين الآخرين الذين لا شك سيرتمون على ذات الرصيف بعده مساحةٌ ليحفروا عليها أساهم، افتحوه حتى لا تصير مصرُ كلها موشومةً بأحزان الفلسطينيين.
هناك امرأةٌ غزيّة خرج بكرُها للدراسة في مصر منذ خمس سنوات لم تره خلالها سوى مرتين، تخرّج البكر منذ أشهر من كلية الهندسة بتفوق.
والأم كانت تجهز الحلوى لحفل تخرجه الذي ستقيمه له في غزة منذ أول ليلةٍ باتها في مصر، الحفل الذي ستدعوا لحضوره كلّ نسوة الحيّ و المخيم. لكنّ البكر لم يعد الى غزة بعد، منذ أشهر ينتظر أن يفتح المعبر. كلّ صبحٍ تقيس الأم الفستان الذي خاطته لترتديه يوم حفل تخرج ابنها لتتأكد أنه ما زال يناسبها وعلى مقاسها، تنظر للحلوى المكدسة بحسرة و تعيد في ذاكرتها حفظ الزغاريد التي سترددها لحظة دخوله البيت، تنسى أحدها فتنزوي في أحد زوايا البيت الهادئة ضاغطةً رأسها بيديها حتى تتذكر ما نسيته، وكلّ يوم يمرّ تصير عملية التذكر أصعب!
افتحوا معبر رفح قبل أن تنسى الأم الزغاريد كلها، افتحوه كي تزغرد فقد اشتاقت حواري المخيم للزغاريد.
هناك حبيبان يجمعهما قلباهما ويفصلهما معبر رفح، تعيش هي في غزّة و تغالب هواه في قلبها كي لا يغلب على هواها لغزة، كي لا تلعن غزة وميلادها في غزة، و يعيش هو في مكانٍ ما على هذا الكوكب لا يرى من الأبواب العديدة المفتوحة أمامه سوى باب غزّة المغلق، حيث قلبه معلّق هناك، يرقبان القمر ذاته كلّ ليلة ويشعران بمهزلة الجغرافيا و الحدود، يهديان بعضهما قبل النوم أغنيةً جديدة ويدعوان بانفتاح بوابة المعبر وينامان متلّوعين.
افتحوا معبر رفح لأنّ الأغاني أوشكت على النفاذ، افتحوه لأنّ الأماني يقتلها طول الانتظار.
افتحوا معبر رفح ففي غزّة مريض يريد السفر كي لا يموت ولم يجرّب ركوب الطائرة بعد، و فيها طفلٌ يريد أن يكون كما أبطال الرسوم المتحركة التي يشاهدها، الذين يسافرون كل عطلةٍ صيفية كانت أم شتوية، افتحوه لأنّ فتاةً ما تحب الكاميرا وتحلم بأن تدرس انتاج الأفلام الوثائقية في السويد لتنتج فلمها الخاص عن غزة، افتحوه لأنّ في غزة أكثر من مليون ونصف روح مليئة بالأحلام والأمل و تحبّ أن تكون أبوابها مفتوحة عليها حتى و إن لم ترغب بالسفر.
افتحوا معبر رفح كي لا تؤلمني غزّة أكثر، كي لا تؤلم البشرية كلها أكثر.