لو قلنا هذا الكلام قبل أن تنشر وسائل الإعلام المختلفة برنامج الأيام الثلاثة لزيارة أوباما للأراضي الفلسطينية المحتلة لقيل أن هذا ما يقوم به بعض المعارضين لسياسيات السلطة من باب الازدراء "لانتصار" الدولة في الأمم المتحدة – ولست أبوح بسرٍ كبير أن أقول بأن هذا واحد من أبواب كثيرة نزدري فيها السلطة من بابها لمحرابها "إن وجد "- إلا أن برنامج الزيارة التي نشرته وترجمته العديد من وسائل الإعلام يبين أن أوباما لن يحل زائراً على السلطة – دعنا لا نقل فلسطين فالفرق كبير- بل هو زائر شرف كبير لدولة الاحتلال، يلتقي برئيس وزرائها ويعقد مؤتمراً صحفياً معه، ومن ثم يلقي كلمة عامة أمام جمهور من الإسرائيليين، وستكون حصة المقاطعة من هذه الأيام الثلاثة عدداً من الساعات لن يتجاوز ثلاث ساعات، ولا يعقد قبلها أو بعدها أي حديث صحفي، ولن يقف أوباما ليلقي كلمة يدجّل بها على الجمهور الفلسطيني كما فعلها من قبل أمام العرب في جامعة القاهرة.
ثلاث ساعات، هل سيجد فيها أبو مازن متسعاً لمعاتبة أوباما على موقف الولايات المتحدة من معركة "الدولة الورقية" في الأمم المتحدة ؟ لا أظن ذلك، فالضيف "صاحب بيت" ولن يزعجه "المؤتَمَن" عليه حتى بهمس العتاب، هي بعض طلبات وبضع شكاوٍ وكثير من سمع وإطراق لما يمليه القادم من خلف البحر ليلتقط الصور مع أكبر مشروعين يحميان الكيان المحتل بتمويل الولايات المتحدة؛ أولاهما القبة الحديدية والأخرى سلطة أوسلو.
ثلاث ساعات ربما يضاف إليها ساعة أخرى في بيت لحم، لن تكون كافية لأن يرى أوباما لافتات دعايته الانتخابية في شوارع رام الله والتي كتب عليها عبارات تحثه على عدم احضار هاتفه الذكي لأنه – يا عيني!– ليس لدينا خدمة انترنت ذلك أن الشركات الخلوية الإسرائيلية تحتكر هذه الخدمة وترفض أن تمنح المشغّلين "الفلسطينيين" هذه الميزة، ولن نحتاج لكثير من التحليل في هوية أصحاب فكرة استجداء أوباما في مطلب حقير كهذا إن تذكرنا فضيحة تقرير جولدستون وثمن تأجيل ترحيل التقرير من جنيف الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الذي لم يتعدى إعطاء امتياز عمل لشركة اتصالات خلوية.
وللحديث عن مجمل الزيارة فإنها لن تحمل جديداً في مسلسل الاستيطان من طرف، والتفريط والوكالة الأمنية من طرف (غير مقابل) وهذا ما لن أتحدث فيه سوى إضاءة بسيطة أن من أهم ما يحدث في المنطقة ما يجري على الحدود الشمالية للكيان المحتل، وهذه مساحة لم يجر بعد تأسيس الوكالة الأمنية عليها بعد، ولربما تأتي زيارة أوباما في هذا السياق الغائب عن التحليل الفلسطيني للزيارة والذي يجب التنبه إليه فلسطينياً وعربياً، وهذا ما سيدفع بالضيف إلى دسّ ما لذ وطاب من المال والعتاد في حنجرة الراعي الأمني لضبط ما يمكن ضبطه من انتفاضه وشيكة –
آملين أن لا تصب في مصلحة ذات الراعي فيما لو اندلعت بغير هدى صحيح – لضمان جبهة نائمة حينَ الضربة الأوسع.
إن أهم المهم في الرأي من زيارة أوباما يحكيه الشارع الفلسطيني الذي بدأ يجهز نفسه لاستقبال يليق بالزائر والمضيف. قد لا يفي هذا الاستقبال بمقدار الغضب والشحن الذي يعيشه الفلسطيني المكلوم بدماء شهدائه والموجوع بجوع أسراه، لكن إن زاد على الناس غضباً أكثر ـ ولو مكتوماً إلى حين ـ فإنه سيفي، وإن أعاد إلى الوجدان والموقف ما حاول منظّرو استجداء "الشرعية الدولية" والرباعية الراعية في استعادة الحقوق من طمسه بأن الولايات المتحدة شريكة في القتل والاستيطان والإجرام فهذا من أضعف الإيمان الذي لن يأتي بنتاج إن لم يصبح يقيناً.
*الصورة أعلاه: ملصق أرشيفي من إصدارات قسم الإعلام الموحد في منظمة التحرير قبل أن تصبح الأخيرة من مستجدي الحلول من الموصوفة بالعدو اللدود