شبكة قدس الإخبارية

الانتفاضة ومثلث النار

فيصل الرفاعي

الانتفاضة ليست عملية معقدة وليست بحاجة إلى تحليلات مجتمعية كثيرة تشرحها وتسهم في أسبابها فالأمر بسيط ويتعلق بالطبيعة الأم نوعا ما وتحديدا بالمثلث اللازم لإشعال النار. فلإشعال النار أنت بحاجة الى 1- حرارة. 2- و أوكسجين. 3-  وقود، وسلسلة تفاعلات تزيد من قوة هذه النار... ينطبق هذا الأمر على الانتفاضة كحالة غضب نارية فهي نار وقوتها تعتمد على قوة المواد.

في الانتفاضة الفلسطينية الأولى كانت الحركة الإسلامية بشكل عام هي الرافد الأساسي لإشعالها، - بالمصطلح العلمي هي كانت الأوكسجين-، أما الوقود فقد كان عدد كبير من العسكريين والمطاردين في قطاع غزة أو الضفة الغربية في الفترة السابقة لمرحلة الانتفاضة و مجموعات المطاردين هذه قد بدأت تتشكل في القطاع حوالي عام 1984، وأخذت تتعامل وتتواصل مع بعضها بشكل قوي في أعقاب عملية هروب المعتقلين الستة من سجن غزة المركزي وكان لها دور مهم كذلك في حرب السكاكين والقضاء على العملاء. أما الحرارة أو الشرارة فكانت حادثة دهس العمال. سلسلة التفاعلات كانت مجموعة من المواجهات العسكرية والشعبية مع قوات الإحتلال امتدت على طول الفترة السابقة للانتفاضة بحوالي 6 شهور قبل تاريخ 8-12 ولم يكن لها طابع الانتفاضة نوعا ما.

طبعا هناك الكثير من الإهمال المتعمد عند الحديث عن هذه الفترة حتى لا يكون هناك معرفة بالخبرات السابقة. وعليه فإنّ الأمر بسيط وهو مثلث يتكون من (مجموعات عسكرية شعبية، رافد شعبي قوي، شرارة) نجمعها بسلسلة من التفاعلات اليومية ونحصل على انتفاضة قوية.

الانتفاضة الفلسطينية الثانية أيضا كانت على نفس المعادلة تقريبا، فقد كان الرافد الأساسي للانتفاضة في بدايتها هم من أبناء السلطة الفلسطينية لأنّه في ذلك الوقت كان القرار لدى أبو عمار رحمه الله هو إحداث حركة مشابهة لانتفاضة "النفق" عام 96 بهدف الضغط على الحكومة الصهيونية والحصول على مكاسب سياسية. و رأينا وقتها كثيرين من أبناء الأجهزة الأمنية يتواجدون في المواجهات مع قوات الإحتلال، أما الشرارة فقد كانت في اقتحام شارون للمسجد الأٌقصى، المميز في الانتفاضة الثانية كان الوقود، ففي تلك الفترة كانت السلطة وحسب اتفاقياتها مع الكيان الصهيوني تحتجز العشرات من المطلوبين لـ"إسرائيل" بسبب مشاركتهم في عمليات المقاومة داخل سجونها – سجون السلطة-، وعدد كثير منهم كان من القيادات العسكرية التي شاركت في الانتفاضة الأولى أو شاركت في عمليات عسكرية خلال الفترة ما بين 95-99، بالإضافة الى عدد كبير من النشطاء العسكريين الذين اعتقلتهم "إسرائيل" أيضاً إبان الانتفاضة الأولى في حدود عام 1990 وانتهت فترات محكوميتهم مع بداية عام 2000 - منهم على سبيل المثال الشهيد صلاح شحادة مؤسس كتائب القسام-، وهنا كان الوقود الأساسي للانتفاضة الثانية قوي نوعا ما فهو يتكون من مطاردين، ومن عسكريين انتهت فترات حكمهم مع بداية الانتفاضة وهم ايضا يمتلكون صفات وقدرات وخبرات عسكرية عظيمة من شأنها إحالة الكيان الى جهنم.

في البداية كان هناك إمكانية للسيطرة على تلك النار بعد إشتعالها بوقت قصير، لكن بعد حوالي 3 شهور من استمرار الانتفاضة والمواجهات اليومية، دخلت الانتفاضة مرحلة اللاعودة وأصبح الرافد الأساسي للإنتفاضة هم أبناء المخيمات وأبناء الجامعات الفلسطينية الذين تدافعوا على تنفيذ العمليات، وأيضا كما في الانتفاضة الأولى كان للحركة الإسلامية دور في فتح خط إمداد قوي بالمقاتلين والاستشهاديين الذين شكلوا عِماد الانتفاضة الثانية. واستمر الأمر هكذا حتى عام 2002 مع بداية تنفيذ عملية السور الواقي والتي استطاعت الى حد ما وقف الزخم الشعبي للإنتفاضة والقضاء على البنية التحتية للتنظيمات الفلسطينية التي كانت تشكل الأوكسجين للإنتفاضة.

هل هناك إمكانية لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

دائما هناك إمكانية لتفجر الأوضاع، ولكن أغلب المواجهات التي تحدث هي عبارة عن هبات شعبية جماهيرية مؤقتة (شرار) ما تلبث أن تهدأ وتنطفئ، والسبب الأول هو غياب قيادات شعبية أو عسكرية أو حتى مطاردين في الضفة الغربية من شانهم أن يقودوا الجماهير، ومنذ عام 2007 تقريبا و"إسرائيل" تعمل على القضاء على كل محاولة لتشكيل خلايا عسكرية أو إعادة تشكيل تنظيمات مقاتلة في الضفة الغربية، لانها تعلم أن هكذا مجموعات من شأنها أن تكون كفيلة بتصعيد الأمور بشكل لا تحمد عقباه من وجهة نظر الكيان وأن تكون قاعدة لبداية تغيير محتمل في المنطقة.

السبب الثاني - برأيي - هو غياب الرافد الأساسي للإنتفاضة –الأوكسجين-، فلقد كانت الجامعات الفلسطينية في انتفاضة الأقصى تشكل المورد الأساسي للاستشهاديين والمقاتلين وكان معيار التنافس بين الكتل الطلابية هو عدد الاستشهاديين او الاسرى المقاتلين. وهذه الجامعات هي نفسها اليوم يتم السيطرة عليها من قِبَل تيار قوي رافض لأي عمل ضد الكيان المحتل. وإذا أردت أن تقيّم الوضع العام في الضفة الغربية فعليك ان تتابع طبيعة النقاشات التي تدور بين طلاب الجامعات حتى تعلم إلى أي مدى استطاعت "إسرائيل" أن تقوم بعملية كي لوعي الشباب الفلسطيني الذي تحوّل من الإهتمام بالقضايا الوطنية إلى الاهتمام بأفضل مشروع اقتصادي او أفضل بروبوزال.

والسبب الثالث – من أسباب عدم اندلاع الانتفاضة- هو غياب القيادات الكاريزماتية العاملة على تجنيد الشعب الفلسطيني لمقاومة "إسرائيل"، فعلى سبيل المثال كان هناك قيادات تنظيمية في حركة فتح لها اعتراضات كثيرة أصلا على اتفاق أوسلو وعلى التجاوزات داخل المستوى العسكري والسياسي الأعلى في السلطة من فساد و الخ... وكانوا متحمسين بناء على ذلك من ان الانتفاضة الثانية ستصنع تغييرا بشكل العلاقة والوضع الحالي في ذلك الوقت... بصرف النظر عن النتائج وهنا كان دور بارز للشخصية القيادية في حركة فتح "مروان البرغوثي" والذي قام بنقل العسكريين في أجهزة السلطة الى الجهاز العسكري لحركة فتح شهداء الأقصى. وهذا النقل كان له فضل كبير في دعم وهج الإنتفاضة ونقلها بسرعة إلى مرحلة المواجهة العنيفة مع الاحتلال. وهنا أنوه إلى ملاحظة مهمة وهي أنّ المقاتلين من ابناء الاجهزة الامنية الذين قاوموا الاحتلال كانوا ضمن التشكيلات العسكرية لحركة فتح عمليا وكانت مقاومتهم باسم تلك التشكيلات وليست باسم الأجهزة الأمنية.

وعليه فإننا إذا نظرنا للأمر من زاوية مثلث النار، فإنّنا حاليا نفتقد إلى الوقود (المجموعات العسكرية)، ونفتقد إلى الأوكسجين (التنظيمات المؤمنة بالمقاومة والتي من شأنها أن تعمل على إطالة عمر الانتفاضة)، أما عن الزاوية الثالثة وهي زاوية الحرارة او الشرارة، فهي متوفرة يوميا ويمكن أن تكون بسبب الاستيطان او القدس او الأسرى او أي احتكاك آخر مع الاحتلال.

نقطة مهمة أيضا وهي (سلسلة التفاعلات) اللازمة، وهي ما يمكن أن نشبهه بالحالة الاحتجاجية او الحراكات في المجتمع ضد الاحتلال وضد مظاهر الاحتلال، وهي كثيرة ومتنوعة وقد شهدت الضفة الغربية تصاعدا في هذه الحراكات في العامين الأخيرين. وقد يساهم الوضع الاقتصادي السيء وكثرة الاعتداءات من قِبل الاحتلال والمستوطنين تجاه الفلسطينيين الى تشكيل مجموعات شعبية رافضة للإعتداء تساهم بشكل او بآخر في التصعيد وزيادة قوة النار.

وقد شاهدنا دور الحراكات الشبابية المجتمعية في الضفة الغربية اثناء الهبّة الشعبية التضامنية مع الأسرى، وحالة التضامن الشعبي والاحتضان الشعبي للمواجهات مع الاحتلال. إنّ هذه الحراكات التضافرية بين أفراد المجتمع يمكن لها أن تكون مساوية أو بديل عن المجموعات المقاتلة – وإن كانت ليست بنفس القوة- إن تمّ استعمالها بشكل صحيح وإن أحسنت الدور المطلوب منها في مواجهة الاحتلال، ومثال على ذلك اللجان الشعبية التي عملت اثناء فترة الانتفاضة الفلسطينية الاولى والتي كان لها دور كبير جدا في تصعيد الإنتفاضة الشعبية وتوجيهها وتنظيمها،وكل من عاش تلك الفترة يعلم مدى تأثيرها على الاحتلال و يكفي أن نعلم أن الاحتلال كان يفرض عقوبات صارمة ضد من يثبت تورطه في أي نشاط مجتمعي مهما كان صغيرا او كبيرا.

ويبقى السؤال الأساسي لمن أراد البحث عن الانتفاضة الثالثة بعد معرفة المعادلة، من يتطوع كي يكون الوقود و الأوكسجين اللازم للأمر، أو كما قال غسان كنفاني "من يقرع جدران الخزان؟".