باتريك ليندر ترجمة: محمد الضبع
الجزء الأول: جروح حب قديم
لقد رأيت خط يدكِ اليوم. ابتسمتُ في البداية. ثم بكيت. كانت مجرد قائمة طلبات قديمة قمتِ بإعدادها. كانت عديمة القيمة في ذلك الوقت، مجرد قصاصة ورق لا تساوي شيئًا. لا أحد يعرفني أكثر منك، تعرفين أنني فوضوي. عشوائي. عفوي. عندما تفاجئني لحظة الكتابة، أخربش على المظاريف والمناديل، أخربش على أي قطعة ورق أجدها. وبالطبع لم أتخلّص من تلك الورقة بل قلبْتها ودونت على ظهرها أفكاري وعواطفي المندفعة التي لا أتذكرها الآن، ثم حشرتها في أحد الأدراج ونسيتها.
لكن هذه القائمة نجت من كل شيء: لقد عاشت أكثر منّا معًا، واختبئت بهدوء بينما كانت حياتنا تتداعى. لقد سمعت بكائي حين لم تسمعيه. عرفت كل الآلام التي استهلكتني. لقد عاشت قربي بينما كنت أسقط وحدي في الظلمة.
ورقتك القديمة أصبحت الشاهد الصامت الذي لم أكن أعلم بأمره. لم أنظر بعد لما كتبتُه على ظهرها، ولكني سأفعل ذلك يومًا. ربما.
أتذكر أنني كنت أترك لك سلسلة من الملاحظات، تقودك في شقتك من مكان إلى آخر لتجدي الحب في انتظارك مكتوبًا على بطاقة أخفيها في ثلاجتك. كان كل شيء مثاليًا، حتى تحوّل كل شيء إلى كارثة.
أتذكّر دموع الحب والسعادة في عينيك، بينما كان الضوء يخترق أشجار سياتل العالية، وأخبرتِني حينها بأنك لم تجدي مثلي من قبل. وفي النهاية، دموعك كانت علامات مالحة للألم. أنا أبكي حتى وأنا أكتب لكِ هذه الكلمات، ألمي يفوق كل ذاكرة جميلة.
أتذكّر كيف كان الجميع ينظرون إلينا ونحن واقعان في الحب وأتذكر كيف غيّرنا كل غرفة دخلناها. كنّا روحين مليئتين بالعاطفة والشغف، تخبران الحياة وكل ما فيها بأن يذهب للجحيم، وترسلان طاقتنا نحو العالم في ألف اتجاه. لقد احترقت في النهاية، وأحرقتنا معها وتركت خلفها الندوب التي لا أظن أننا سنشفى منها أبدًا.
إنها قائمة تسوّق قديمة. ورقتك. إنها مجرد قائمة تسوّق لعينة، تحوّلت إلى ما يشبه القصيدة التي بإمكانها أن تفتح كل أقفال قلبي. الكلمات التي لا تعني شيئًا ولا تملك أي عمق بالنسبة للآخرين، وحتى بالنسبة لكِ، تحرّكني بقوّة الآن وتثقل عليّ بمعناها.
يومياتك التافهة، تفاصيلك الصغيرة، أصبحت فجأة تعني كل شيء أعرفه في ذاكرتي عنك، وكل شيء أردت أن أكونه لك.
أحتاج:
علبة واحدة من حليب الفانيلا
عبوة واحدة من الخس
عبوة واحدة من الشيبس (بالملح والخل)
محاولة واحدة لإعادة ما بيننا -والتي لن تأتي-
كلمة واحدة أخيرة منك
فرصة واحدة لأقول لكِ وداعًا
==================================
الجزء الثاني: قلبي قنبلة مولوتوڤ حارقة
نحن مخلوقات مُحبّة، محدودة. أو مخلوقات محدودة، مُحبّة. ولأن الحدود تحاصرنا، نميل أحيانًا لإخفاء الحب. لا نريد أن نتعرض للألم. وكلما تقدمنا في السن، يصبح الأمر أكثر خداعًا: كلما تعرضنا للألم والخيبة أكثر، كلما كان احتمال وقوعنا في أمان ذواتنا المحدودة أكثر. سوف يجرح قلبك أحدهم، ثم بشكل منطقي، ستحاول أن تحمي قلبك. المخاطرة تصبح أكثر صعوبة. الندوب التي تعرضت لها من آلامك السابقة ستخلق جدرانًا عالية حولك من السهل جدًا أن تختبئ وراءها.
س: إذن ماذا أريد من هذه الحياة؟
ج: أن أحب، وأن أجد الحب.
لقد حظيت بهذا. مرات عديدة. لقد كنت محظوظًا. لماذا لا أستمر في ذلك؟ لماذا يصعب علي الحفاظ على الحب؟ يبدو الأمر سهلًا. لماذا أتعرض للكثير من المشاق في طريقي إليه إذن؟
أشياء أؤمن بها:
نحن كائنات اجتماعية بالفطرة، نريد أن نحب وأن نجد الحب. أنا متأكد بأنك قد سمعت هذه الجملة: “ولدنا وحيدين وسنموت وحيدين. ارتباطنا بالآخرين لا يستمر للأبد، وهو غريب على حقيقتنا البشرية.” هراء. هذا هراء. نحن نبحث عن الارتباط. نريد الحب. نريد أن نشعر بالأمان مع شخص آخر. العزل مؤلم ويدمّر الروح. إنه السبب الذي وضعت لأجله السجون، إنه العقاب الذي يستخدم لإيلام البشر.
الحب شاق. شاق إلى درجة لا تحتمل.
الفشل وارد أكثر من النجاح. الاستسلام أو عدم المحاولة أسهل من هذا كله. أنا مقتنع أننا نبحث عن الحب والنجاح بفطرتنا. ثم تأتي الحياة وتعترض طريقنا وتصلنا بالفشل، وفي الغالب لا نعرف كيف نصلح هذا الخطأ الجسيم، إلا عندما يفوت الأوان. هكذا تعلّمك الحياة أن تصبح محدودًا بدلًا من أن تصبح عاشقًا. من هنا يأتيك الموت ويأتيك الندم. ليس من مخاطر الحب، بل من الحذر والتراجع والاختباء. كم أكره الندم. ألا تكرهه أيضًا؟
الخدعة تكمن في تذكّر أنك ذات عاشقة من اللحظة التي دخلت فيها الحياة. ادفع باتجاه الحياة. أخبرها أن تذهب إلى الجحيم إن حاولت أن تسرق هذا منك. أنت عاشق من الثانية الأولى التي تنفّست فيها. الحب بالنسبة لك هو مبدأ.
إليك بعض النقاط التي يجب أن تعرفها عني:
لقد قضيت وقتًا مريعًا وأنا أحاول التخلّص من الماضي. أعيش مع أشباحي أكثر من اللازم. لا أعرف ولست متأكدًا من أني سأغير هذا.
أهب قلبي بسهولة، وأنا أعمى، أستقبل قلب الآخر بسرعة. أريد أن أصدق وأريد أن أحب، وهذه الرغبات تعميني أحيانًا. ولكن على من أكذب؟ إنها تعميني دائمًا وفي كل مرة. لست متأكدًا من أني أريد تغيير هذا، بغض النظر عن سجلّي الواسع المليء بالقرارات الخاطئة والعواقب الوخيمة.
لا أعرف كيف أعيد لف قلبي من جديد بعد أن أطلقته بعيدًا: سأعطيك إياه وأتمنى أن تحافظ عليه وتحبه بالمقابل، وما عدا ذلك فأنا ضائع وجريح.
أتخيل أن للحب عين طائر ينظر لنا من أعلى، ونحن مجرد فقاعات صغيرة، نحاول في غالب الوقت أن نتفادى بعضنا حتى لا ننفجر. وحين يحدث الاصطدام، أحيانًا تنفجر فقاعتك وتصبح مفتوحة، دون جلد، ودون حماية، وهذا سيؤلمك. سيؤلمك لدرجة لا تتصورها. ولكن أحيانًا، يحدث الاصطدام وبدلًا من الانفجار، تتحد فقاعتك بأخرى وتخلقان شيئًا أكبر. لطالما حلمت ورغبت في هذه الرابطة الكبرى، في هذا الاصطدام المحتمل.
أؤمن في الاصطدام الذي يخلق السعادة. أؤمن في الحب الذي ينسخ ما قبله من ألم. أؤمن أن إطلاقي لروحي حرة، ورفضي لحمايتها سيقودها للأفضل، لأعظم الأشياء في حياتي.
القصة التي سأخبر بها أحفادي، ستكون وليدة روح حرة، وليس وليدة قلب مختبئ خلف خط دفاعي أشبه ما يكون “بخط ماجينو” الذي تكوّنه اللامبالاة المفترضة والكراهية. سأحاول ما استطعت أن أستمر في دفع الحب والمخاطرة بأجزاء ذاتي، رغم الآلام، ونعم، هذه الآلام هي الشراب السام المصنوع من الاكتئاب والقلق والوحدة والذي أسرف في تناوله.
قلبي قنبلة مولوتوف حارقة. أنا جاهز-لا، لست جاهزًا فقط .. بل مشتاق ومتلهّف للبحث عن شخص ما، شخص بإمكانه أن يشعل معي زجاجة مولوتوڤ ويقذفها، ثم يقذف بالمزيد من الغازولين فوقها. أريد أن أهتف دون اكتراث ثم أبحث عن شيء قابل للاحتراق لأعود بسرعة وأضيفه للنيران، سيحترق جلدي وشعري بسبب الانفجار ولكن قلبي سيبقى سعيدًا وعينيّ ستبتسمان للأبد.
استهلك كل طاقتي. احرقني. تورّط في حبي. أعرف الحياة التي تستحق العيش، ولا أحسبها بالسنوات، بل بالحروق على قلبي.