ثمّة خمسة ملفات من المتوقع أن تكون على أجندة اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2025:
أولا: تنفيذ المرحلة الثانية من قرار مجلس الأمن:
سيكون تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب وقرار مجلس الأمن الدولي المتعلقين بقطاع غزة، والذي يعد محورا رئيسا ومهما في اللقاء. وتحت هذا الملف عدة بنود إشكالية قد تتسبب بسقوط الخطة وفشلها، إن لم يُقدِّم الاحتلال الإسرائيلي مرونة كافية تجاهها.
وأبرز هذه الإشكاليات؛ طبيعة "مجلس السلام" من حيث تشكيلته ومهامه، إذ يرفض الفلسطينيون الوصاية والاستعمار الخارجي عليهم، وسيكون مصيره الفشل إن لم يتم إفراغه من محتواه أو تعديل صلاحياته، بحيث تقتصر مهامه على ضمان وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار. وهذا ينطبق ثانيا على نزع أسلحة حماس والمقاومة، حيث لا توجد دولة في العالم ترغب بالقيام بهذه المهمة، بالنيابة عن الطرف الإسرائيلي الذي فشل في ذلك على مدى سنتين من حرب إبادة وتجويع وتدمير وتهجير. وهو ما يعني تغيير مهمة "قوة الاستقرار" الدولية إلى مهام مرتبطة بمراقبة خطوط الهدنة وعدم العودة للحرب. أما البند الثالث فمرتبط بالانسحاب الإسرائيلي من الخط الأصفر إلى خطوط جديدة؛ وهو بندٌ شائك يبدي الإسرائيليون فيه تعنّتا كبيرا، ويربطونه بنزع أسلحة المقاومة وباستلام آخر جثة لأسير إسرائيلي، وبوجود ضمانات أمنية ميدانية على الأرض لمنع إعادة تنظيم حماس والمقاومة لنفسها؛ كما يسعون إلى إبقاء حالة أمنية على القطاع تمكنهم من الاغتيال والاجتياح والقصف متى شاؤوا، بالإضافة إلى أنّ هناك مسؤولين إسرائيليين يرغبون بتحويل الخط الأصفر من خط مؤقت إلى "خط حدودي" دائم. يضاف إلى ذلك بندٌ رابعٌ متعلقٌ بالضفة الغربية ومستقبلها والتعامل مع الإجراءات الإسرائيلية لضمها.
وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب لاسترضاء الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يجد أنّ السقف الإسرائيلي لا يُمَكِّنه من تسويق خطته، وأنه قد لا يجد تعاونا فعالا فلسطينيا (من سلطة رام الله) ولا عربيا ولا دوليا، وأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيتسبب بمواصلة معاناة الفلسطينيين، وبمزيد من الغضب والسخط العالمي، وبمزيد من الضغوط وفرض العزلة على الاحتلال الإسرائيلي؛ في الوقت الذي يعجز فيه الاحتلال نفسه عن نزع أسلحة المقاومة، كما أنه نفسه لا يرغب في إدارة حياة أكثر من مليونين و200 ألف فلسطيني في القطاع. ولذلك، سيسعى ترامب لإقناع نتنياهو بإبداء مرونة فيما يتعلق بالانسحاب من الخط الأصفر، ربما إلى خطوط جديدة مع إبقاء السيطرة على النقاط الاستراتيجية، وبتسهيل حركة الأفراد والبضائع عبر المعابر ودخول المساعدات ومواد الإعمار، وإيجاد صيغ يمكن تسويقها؛ متعلقة بـ"مجلس السلام" وبــ"قوة الاستقرار الدولية"، وجمع أسلحة حماس والمقاومة؛ وتسهيل عمل اللجنة الحكومية في إدارة القطاع، وإعطاء دور أكبر لسلطة رام الله في إدارة القطاع.
ثانيا: الملف الإيراني:
تشير التقارير إلى أن إيران تقوم بترميم وإعادة ترتيب برنامجها النووي، كما تقوم بإعادة تأهيل منظومتها الصاروخية، وما زالت تقدم دعمها لقوى المقاومة في لبنان واليمن وفلسطين. وبالتالي سيكون الحديث عن تشديد العقوبات والخناق على إيران، وتوفير غطاء أمريكي لهجوم إسرائيلي عنيف، من المواضيع المتوقعة للنقاش بين نتنياهو وترامب. وثمة حسابات أمريكية معقدة في الرغبة في كبح إيران، ولكن دون الدخول في حرب أو حالة اضطراب إقليمية.
ثالثا: بين التطبيع وبين المتطلبات الأمنية:
هذا الملف يتعلق بـ"هندسة" العلاقات الإقليمية، وتوفير بيئات أفضل لمسار التسوية والتطبيع. ويندرج تحت ذلك سعي الاحتلال الإسرائيلي للحصول على ضمانات أمنية من لبنان وسوريا، والضغط باتجاه نزع أسلحة حزب الله، وتوفير الغطاء للمنطقة الأمنية التي تسيطر عليها "إسرائيل" في جنوب غرب سوريا، مع إمكانية توفير غطاء أمريكي لهجوم إسرائيلي يستهدف حزب الله والمقاومة في لبنان.
ويبدو أن الطرف الأمريكي يريد إدارة الأولويات بشكل مختلف، إذ إن الطريقة الإسرائيلية في استخدام القبضة الحديدية والأدوات الخشنة، واستخدام أساليب فوقية في محاولة إخضاع وإذلال الأنظمة وشعوبها، هي بحدّ ذاتها غير مضمونة النتائج، وستتسبّب في إفشال مسار التسوية، وتعطيل "الاتفاقات الإبراهيمية"، وإيجاد بيئات غضب وسخط شعبي، تضع مزيدا من الزيت على النار في منطقة غير مستقرة وقابلة للانفجار في أي لحظة. ولذلك، فقد يضغط الأمريكان لتهدئة الأوضاع، والحصول على ضمانات أمنية من الأنظمة دون استخدام أدوات إسرائيلية خشنة.
ويندرج تحت هذا الملف محاولة الأمريكان إعطاء دفعة لمسار التسوية، خصوصا مع السعودية، ومحاولة إعادة ترتيب وتطوير العلاقات الإسرائيلية التركية.
رابعا: تأهيل "إسرائيل" في البيئة الدولية:
هذا الملف يسعى إلى محاولة ترميم الصورة البشعة التي كونتها عن نفسها في الحرب على غزة، وكذلك على لبنان وسوريا واليمن وإيران. ويندرج تحت ذلك، الضغط على محكمة العدل الدولية وعلى محكمة الجنايات الدولية، بسحب التُّهم وإغلاق الملف المرفوع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ورموزه.
خامسا: العلاقات الإسرائيلية الأمريكية:
يسعى هذا الملف لضمان استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية، وتطوير العلاقات التجارية، ومعالجة إشكالات الرسوم على البضائع الإسرائيلية. وكذلك مجموعة الإجراءات لـ"تبييض" صورة "إسرائيل" في المجتمع الأمريكي، والوقوف في وجه حالة التحول التي تشهدها أمريكا من الانفضاض عن السردية الإسرائيلية والمزيد من التعاطف مع الشعب الفلسطيني. وهي حالة تحوّل مقلقة جدا للاحتلال الإسرائيلي، خصوصا أن أغلبية القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي صارت أكثر تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، كما أن الحزب الجمهوري يشهد انقساما لأول مرة بشأن دعم "إسرائيل"، حيث أخذت تظهر كتلة يزداد وزنها (ما زالت أقلية) ترى أن فكرة "أمريكا أولا" تستوجب وضع شروط وضوابط على الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل"؛ بالإضافة إلى وجود نسبة كبيرة من طلبة الجامعات والشباب ممن يميلون للرواية الفلسطينية وينتقدون بقوة السلوك الإسرائيلي.
نتنياهو الذي يُعِدُّ لاستحقاق انتخابات الكنيست في الأشهر القادمة، يواجه وضعا صعبا وغير مطمئن، إذ إن معظم استطلاعات الرأي تصب لصالح قوى المعارضة، ويمثل نفتالي بينيت نِدّا قويا لنتنياهو لرئاسة الوزراء. وهناك نحو 52 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يعارضون ترشيح نتنياهو للانتخابات وفق نتائج استطلاعٍ في كانون الأول/ديسمبر 2025. وبالتالي، فإن نتنياهو بحاجة ماسة لتحقيق مكاسب أو الخروج من مآزق من خلال الرافعة الأمريكية، وهو ما يجعل هذه الزيارة ذات أهمية خاصة.
وفي المقابل، فإن ترامب نفسه سيواجه في تشرين الثاني/نوفمبر 2026 استحقاق الانتخابات النصفية للكونجرس، حيث يتقدم الديمقراطيون (هذه الأيام) في استطلاعات الرأي لانتخابات مجلس النواب؛ وبالتالي فكما أنه معنيٌ بتحصيل دعم اللوبي الصهيوني، فإنه معنيٌ أيضا بتحقيق اختراقات وإنجازات سياسية واقتصادية. وعليه أن يمارس ضغوط مختلفة (يمسّ جزء منها الجانب الإسرائيلي) لمنع فشل خطته وسقوطها في غزة، ولتحقيق حلمه في دخول السعودية عالم التطبيع مع "إسرائيل". وهو لن يتمكن من ذلك إلا إذا خفّض نتنياهو سقف مطالبه، وتعاون لإنجاح ترامب في عدد من القضايا التي أشرنا إليها.



