متابعات قُدس الإخبارية: يعمل ما يُعرف بـ"مركز التنسيق المدني العسكري لقطاع غزة"، داخل مستودع أُعيد استخدامه بمنطقة صناعية تابعة للاحتلال، وعلى بعد 13 ميلا من حدود غزة، لمناقشة ملفات الأمن والحكم المدني والمساعدات الإنسانية، ورسم مستقبل القطاع لما بعد الحرب.
وداخل هذه المنشأة، يعمل مئات الجنود الأميركيين والإسرائيليين، إلى جانب ضباط أمن عرب ودبلوماسيين غربيين وعاملين إنسانيين، على رسم مستقبل غزة، بدون حضور أو وجود أي تمثيل للفلسطينيين.
وفي تقرير أعدته صحيفة نيويورك تايمز، وتناول طبيعة عمل هذا المركز، يكشف مراسلوها بجانب مهمة تثبيت وقف إطلاق النار بين الاحتلال وحركة حماس، يُسند إلى الفريق العامل، المساهمة في صياغة خطط طموحة لمستقبل القطاع بعد الحرب، بما يتماشى مع مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبما فيه من خطط نزع السلاح وإعادة بناء غزة تحت إدارة جديدة.
ورغم النشاط المكثف، يشير مشاركون إلى أن العمل في هذا المركز يشبه "شركة ناشئة فوضوية"، خاصة في ظل غياب أي تمثيل رسمي للفلسطينيين، وهو ما أثار تحذيرات دبلوماسية من أن "أي رؤية لا يشارك فيها الفلسطينيون مصيرها الفشل".
وداخل هذه المنشأة الواقعة في "كريات غات"، تُعقد اجتماعات يومية يقودها ضباط أميركيون كبار تتناول ملفات الاستخبارات والمساعدات الإنسانية والحكم المدني، ووصف أحد الدبلوماسيين الجلسات بأنها تتم على طاولات مفتوحة، وباستخدام سبورات بيضاء، وأن عناوينها خفيفة رغم أنها تتحدث عن موضوعات شديدة الحساسية مثل "الثروات المائية" أو "حوكمة ما بعد الحرب".
غير أنه خلف هذا النشاط التنظيمي، تلوح في الأفق مقارنات غير مريحة مع التجارب الأميركية في العراق وأفغانستان، إذ قال بعض المشاركين إن مشاهد الجنود الأميركيين وهم يناقشون إعادة بناء غزة "تعيد إلى الأذهان ذكريات مشاريع إعادة الإعمار التي لم تنجح سابقا" في كلا البلدين، وفق التقرير.
ويقود العمل اليومي في المنشأة، آرييه لايتستون، المستشار السابق في إدارة ترامب والمكلف بتطوير "الرؤية الإستراتيجية" لغزة، بحسب دبلوماسيين ومسؤولين مطلعين، ويشارك في المنظومة ضباط ودبلوماسيون من عشرات الدول، من كندا وألمانيا إلى الإمارات وسنغافورة، بعضهم يحمل خبرات واسعة في المنطقة، وآخرون وصلوا متسائلين "ما حماس؟"، وهو عنوان جلسة تعريفية فُرضت على القادمين الجدد.
ويعكف المركز، وفق بيانات داخلية، على وضع تصورات لـ"مجتمعات آمنة بديلة" بحيث تخصص تجمعات سكنية جديدة لإيواء الفلسطينيين داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، والهدف المعلن هو خلق بيئة مستقرة وجاذبة، إلا أن دبلوماسيين مطلعين شككوا في إمكانية قبول الفلسطينيين بهذه الفكرة، محذرين من أنها قد تفتح الباب أمام تقسيم دائم لغزة.
وفي الوقت الذي حافظت فيه إسرائيل على سلطتها الفعلية في الملفات المدنية، ولا سيما عبر هيئة "منسق أعمال الحكومة في المناطق" يحاول المسؤولون الأميركيون إدخال المساعدات الإنسانية تحت إشراف المركز المذكور، ويقول المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، الكابتن تيم هوكينز، إن "نحو 800 شاحنة مساعدات تدخل غزة يوميا"، لكن نفوذ المركز على هذا الملف لا يزال غير مكتمل، وفقا للتقرير.
ورغم أن وقف إطلاق النار الأميركي المدعوم أوقف الحرب المدمرة التي استمرت أكثر من عامين، فإن الاتفاق لم يُنه الصراع فعليا، وتواصل واشنطن الضغط على الإسرائيليين والفلسطينيين للانتقال إلى المرحلة التالية من خطة ترامب التي تشمل نزع سلاح حماس، ونشر قوة الاستقرار الدولية، وإعادة إعمار المناطق التي باتت تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويؤكد التقرير أن الجولات الإعلامية الأخيرة، التي شارك فيها مسؤولون بارزون مثل جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي ووزير الخارجية ماركو روبيو، قدّمت لمحة نادرة عن سير العمل داخل المنشأة، إذ شاهد الصحفيون في إحدى القاعات، ضباطا أميركيين يشرحون لنظرائهم الإسرائيليين تصورا أوليا لشرطة فلسطينية مستقبلية في غزة، بينما تُظهر الخرائط بالألوان مناطق سيطرة إسرائيل وحماس وحدود خطوط الانسحاب.
ورغم كثافة النشاط داخل المستودع، يبقى السؤال الأكثر إلحاحا مطروحا بقوة: إلى أي حد يمكن صياغة مستقبل غزة دون حضور الفلسطينيين؟.



