شبكة قدس الإخبارية

شهادات مروعة من سجن "راكفيت" في الرملة: فلسطينيون ولبنانيون تحت الأرض بلا ضوء ولا هواء

OIP

متابعة قدس: كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، اليوم السبت، عن الظروف القاسية التي يعيشها عشرات الفلسطينيين من قطاع غزة المعتقلين في سجن راكفيت الإسرائيلي، حيث يُحتجزون في زنازين تحت الأرض لا يصلها الضوء الطبيعي، ويُحرمون من الغذاء الكافي والرعاية الطبية والمعلومات عن عائلاتهم أو العالم الخارجي، فيما يتعرّضون للضرب وسوء المعاملة بشكلٍ منتظم، وفق ما أكده محامون من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب.

وأوضحت الصحيفة أن سجن راكفيت، الواقع ضمن مجمّع السجون في الرملة جنوب شرقي تل أبيب، أُنشئ في مطلع الثمانينيات لاحتجاز عناصر الجريمة المنظمة، لكنه أُغلق بعد سنوات قليلة بسبب ظروفه غير الإنسانية. غير أن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، أمر بإعادة تشغيله بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ضمن ما وصفه بخطة تشديد ظروف أسرى حماس وحزب الله.

وتشير “ذا غارديان” إلى أن السجن يتكوّن من زنازين وساحة صغيرة مخصّصة للتمارين وقاعة اجتماعات للمحامين، جميعها تحت الأرض، بحيث يعيش المعتقلون بلا أي ضوء طبيعي. وقد ارتفع عدد المحتجزين فيه من 15 شخصاً عند إغلاقه عام 1985 إلى نحو 100 معتقل حالياً، وفق بيانات اللجنة العامة لمناهضة التعذيب

وبحسب التقرير، فإن بين المعتقلين فلسطينيين مدنيين على الأقلّ لم تُوجّه إليهما أي تهمة، أحدهما ممرّض اعتُقل بملابسه الطبية، والآخر شاب يعمل بائعاً للأغذية. ويمثّل الرجلين محامون من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب، الذين أكدوا أن موكليهم محتجزان منذ يناير/ كانون الثاني الماضي في مجمّع راكفيت، ويتعرضان بشكل متواصل للضرب والإهانة، بما يتطابق مع أنماط التعذيب الموثقة في سجون "إسرائيلية" أخرى.

المحامية جِنان عبدو، التي زارت السجن، قالت إن موكليها ليسا من مقاتلي حماس أو عناصر حزب الله كما يدّعي بن غفير، بل مدنيان. وأوضحت أن الشاب البالغ 18 عاماً أُخذ من حاجز على الطريق بينما كان يعمل في بيع الطعام، مؤكدة أن مصلحة السجون "الإسرائيلية" لم ترد على أسئلتها حول وضع المعتقلين الآخرين أو هويتهم.

من جانبه، وصف المدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب تال ستاينر الظروف في سجون الاحتلال بأنها "مروّعة"، مضيفاً أن معتقل راكفيت يمثل شكلاً فريداً من الإيذاء. وقال: احتجاز البشر تحت الأرض لأشهر من دون ضوء النهار له آثار مدمّرة على الصحة النفسية، ومن الصعب الحفاظ على التوازن العقلي في مثل هذه البيئة القمعية”.

ولفت ستاينر إلى أنه رغم زيارته السابقة لسجون في مجمّع الرملة، لم يسمع عن راكفيت قبل قرار بن غفير بإعادة تشغيله، ما يعكس الطابع السري للمكان.

وروت الصحيفة تفاصيل زيارة عبدو وزميلتها سجا مشرقي برانسي إلى السجن، حيث اقتادهما حراس ملثمون إلى ممرّ ضيق يؤدي إلى الأسفل عبر درج متّسخ وغرف مليئة ببقايا حشرات، مع مرحاض غير صالح للاستعمال. وقالت الصحيفة إن كاميرات مراقبة كانت مثبتة داخل قاعة المحامين، في انتهاكٍ واضح للحق القانوني في الخصوصية، فيما هدّد الحراس بإنهاء اللقاء إذا تطرّق الحديث إلى العائلة أو الحرب في غزة.

تقول عبدو: "سألت نفسي، إذا كانت قاعة المحامين بهذه الإهانة، فكيف هو حال السجناء؟،، ثم تابعت: "عرفت الإجابة عندما رأيتهما؛ أُحضرا منحنيين والرؤوس إلى الأرض، والأغلال في اليدين والرجلين". أحدهما سألها بخوف إن كانت زوجته الحامل قد أنجبت، لكن الحارس قاطعه مهدّداً بإنهاء اللقاء، ثم اقتادهما بعيداً بينما كان صوت المصعد يُشير إلى أن الزنازين أعمق في الأسفل. قال الشاب لعبدو قبل أن يُبعدوه: "أنت أول شخص أراه منذ اعتقالي… أرجوكِ تعالي مرة أخرى".

المحامية مشرقي برانسي، التي رافقت الزيارة، قالت إن المعتقلين محتجزان في راكفيت منذ تسعة أشهر، ولم يُخبَرا حتى باسم السجن. وأضافت أن جلسات احتجازهما كانت قصيرة جداً، جرت عبر الفيديو من دون محامٍ أو الاطلاع على الأدلة، حيث قرر القضاة استمرار الاعتقال حتى انتهاء الحرب.

ونقلت الصحيفة عن المعتقلين أن الزنازين بلا نوافذ أو تهوئة، تضمّ ثلاثة أو أربعة أشخاص، ويُسمح لهم بالخروج إلى مساحة صغيرة تحت الأرض لبضع دقائق كل يومين فقط. كما تُسحب منهم الفرش في الرابعة فجراً ولا تُعاد إلا ليلاً، ما يضطرهم للنوم على الهياكل الحديدية. وأشار المعتقلان إلى تعرّضهما لضربٍ متكرر، وهجماتٍ بكلاب حراسة معدّة بأطواق حديدية، ودوسٍ بالأقدام، وحرمانٍ من العلاج والرعاية الطبية، إضافة إلى حصص غذائية ضئيلة لا تكفي لسدّ الجوع.

بحسب مشرقي برانسي، فإن الممرّض المعتقل لم يشاهد ضوء النهار منذ 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، يوم نقله إلى راكفيت بعد عامٍ قضاه متنقلاً بين سجونٍ أخرى، بينها مركز سديه تيمان العسكري سيّئ السمعة. وهو أب لثلاثة أطفال، ولم يتلقّ أي خبر عن عائلته منذ اعتقاله. وأضافت المحامية أن المعلومة الوحيدة التي يُسمح بنقلها للمعتقلين هي اسم القريب الذي فوّض المحامي بتمثيله، قائلة: "أخبرته أن والدته هي من فوّضتنا، وكنتُ أعلم أن ذلك يعني له شيئاً بسيطاً… لكنه كل ما يمكننا قوله ليعرف أنها على قيد الحياة".

يقدّم سجن راكفيت، كما تخلص الصحيفة البريطانية، نموذجاً مصغّراً عن سياسة "إسرائيل" في التعامل مع الفلسطينيين منذ الحرب على غزة: قمعٌ ممنهج، وانعدام للشفافية، وتوسّع في الاعتقال دون تهم، وتحويل السجون إلى أماكن عقابٍ جماعي. وبينما تواصل حكومة نتنياهو، ووزيره بن غفير خصوصاً، استخدام ملف الأسرى لتغذية خطاب الانتقام، يكشف تقرير "ذا غارديان" عن واقعٍ أكثر ظلمة من السجن نفسه: واقعٍ يُراد له أن يبقى بعيداً عن الضوء.