شبكة قدس الإخبارية

التيار المسيطر على السياسة الإسرائيلية: كراهية متجذرة للمسيحيين

photo_2025-11-07_17-54-58
هيئة التحرير

رام الله - خاص قدس الإخبارية: في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الدينية والسياسية داخل "إسرائيل" تصاعدًا غير مسبوق لنفوذ التيار الصهيوني الديني المشيحاني، الذي يمزج بين العقيدة الدينية والنزعة القومية ويمنح مشروع السيطرة على كامل فلسطين بعدًا لاهوتيًا.

 هذا التيار، الذي خرج من رحم الاستيطان في الضفة الغربية بعد عام 1967، لم يعد ظاهرة هامشية، بل أصبح أحد المحرّكات الأساسية للحكومة والجيش والمجتمع، واضعًا نصب عينيه هدفًا واضحًا: تحويل الأرض إلى ملكية يهودية خالصة باسم الخلاص الإلهي.

 في هذا السياق، يجد الفلسطينيون المسيحيون أنفسهم في مواجهة فكر ديني يرى في وجودهم خطيئةً تاريخية وخللًا في "نقاء" الأرض، ما يبرّر سياسات الإقصاء والعنف ضدهم، ويعيد إنتاج نظام تمييز ديني–قومي على أسس توراتية، إذ إن الصهيونية الدينية المشيحانية التي تُعدّ أحد أكثر التيارات الأيديولوجية تأثيرًا في "إسرائيل" اليوم، إذ تمزج بين القومية اليهودية والإيمان بالخلاص. يرى أتباعها أن قيام الدولة اليهودية وبسط السيطرة على "أرض إسرائيل الكاملة" يمثلان تحقيقًا لوعد إلهي، وأن كل وجود غير يهودي على الأرض المقدسة هو مشكلة دينية وسياسية.

 منذ حرب 1967، أخذ الخطاب داخل هذا التيار منحى أكثر تشددًا، إذ باتت فكرة "يهودية الأرض" مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالوصايا الإلهية، بينما يُنظر إلى الفلسطينيين – مسلمين ومسيحيين – كغرباء يعيقون مسار الفداء. ورغم أن بعض الحاخامات حاولوا التوفيق بين مبادئ الديمقراطية واللاهوت، فإن التيار الغالب في الصهيونية الدينية يرى أن المساواة الكاملة مع غير اليهود تتعارض مع "إرادة الرب".

التفسير الديني لرفض الوجود المسيحي

تستند المواقف العدائية تجاه المسيحيين الفلسطينيين إلى قراءة دينية متشددة للنصوص التوراتية، وخصوصًا الوصايا التي تقول: "لا ترحمهم" (سفر التثنية 7:2  ويعطيك الرب إلهك إيّاهم، فتضربهم، وتحرّمهم، لا تترفق بهم)، و"لا تسكنهم في أرضك" (سفر الخروج 23:33 لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ إليّ) . هذه النصوص تُفسَّر اليوم كتحريم مطلق لمنح غير اليهود إقامة أو ملكية في الأرض، وهو ما يجعل الوجود المسيحي الفلسطيني في نظرهم خرقًا للوصية الإلهية.

 ويرى فقهاء هذا التيار أن المسيحية "عبادة وثنية" بسبب عقيدة التثليث، ما يبرر فقهياً محاربة رموزها الدينية. وقد صرّح بنزي غوبشتاين، زعيم منظمة "لاهافا"، علنًا بأن "من الواجب الديني حرق الكنائس"، مستندًا إلى فتاوى موسى بن ميمون. رغم تراجعه لاحقًا، فإن تصريحه عكس روحًا رائجة في الأوساط الدينية المتطرفة التي تعتبر الكنيسة رمزًا لـ"الوثنية" في قلب الأرض المقدسة.

 إلى جانب ذلك، يُستحضر مفهوم "المقيم الغريب" لتبرير بقاء غير اليهود فقط إذا قبلوا بالخضوع للسيادة اليهودية. ويُستخدم هذا المفهوم لإضفاء شرعية دينية على حرمان الفلسطينيين – بمن فيهم المسيحيون – من أي حقوق وطنية أو سياسية.

تتجلى هذه المفاهيم اللاهوتية في برامج سياسية تبناها قادة بارزون في اليمين الديني. وأبرزها "خطة الحسم" التي طرحها بتسلئيل سموتريتش عام 2017، والتي تضع الفلسطينيين أمام ثلاث خيارات: الهجرة الطوعية، أو القبول بوضع "المقيم من الدرجة الثانية"، أو مواجهة "الحسم العسكري". الخطة لا تميز بين المسلمين والمسيحيين، بل تتعامل مع الفلسطينيين كجماعة واحدة تعيق "المشروع الإلهي".  على الأرض، تُترجم هذه العقيدة إلى سياسات استيطانية ممنهجة تمنع بيع الأراضي لغير اليهود، وتفرض "نقاءً ديموغرافيًا" داخل المستوطنات. ففي عام 2010، أصدر عشرات الحاخامات بيانًا يحظر تأجير أو بيع العقارات للعرب المسلمين والمسيحيين، مستندين إلى الشريعة اليهودية ذاتها.

كراهية متجذّرة ضد الرموز المسيحية

تحولت العقيدة المعادية للمسيحية إلى سلوك عملي تمثل في سلسلة من الاعتداءات على الكنائس والأديرة. ففي عام 2015 أُحرقت كنيسة الخبز والسمك في طبريا على يد مجموعة من المستوطنين الذين كتبوا على جدرانها: "والأصنام تُباد". وفي عام 2012 استُهدِف دير اللطرون، وتكررت عمليات تدنيس المقابر وكتابة شعارات مثل "يسوع قرد" و"المسيحيون إلى الجحيم".

 أما في القدس، فتوثق الكاميرات بانتظام مشاهد بصق واعتداء على القساوسة والرهبان في البلدة القديمة، بينما تُبرَّر هذه الأفعال من قبل بعض المتدينين بأنها "تعبير عن رفض عبادة الأوثان". في القرى الفلسطينية ذات الأغلبية المسيحية مثل الطيبة وبيت جالا وبيت ساحور، يتعرض السكان إلى مضايقات متكررة من المستوطنين تشمل حرق الممتلكات والتهديد بالرحيل. في إحدى الحوادث عام 2025، أُحرقت سيارات في قرية الطيبة ودوّنت على الجدران عبارة: "سترون ما سيحدث قريبًا". هذا النمط من العنف يهدف إلى ترهيب المجتمعات المحلية ودفعها إلى الهجرة.

وفي القدس، يواصل نائب رئيس البلدية أرييه كينغ – أحد رموز التيار الديني – مشروعه لشراء عقارات الكنائس لصالح الجمعيات الاستيطانية، معتبرًا أن "الأرض لا يجوز أن تبقى بأيدي الغرباء". أما الجمعيات مثل "عطيرت كوهانيم" و"العاد"، فتنشط في تهويد الأحياء المسيحية، وتصف نجاحها في شراء عقارات الكنائس بأنه "انتصار روحي".

وتنشط منظمات مثل "لاهافا" و"يد لأخيم" في التحريض على المسيحيين الفلسطينيين تحت شعار "منع التبشير". تصف هذه الجماعات المسيحيين بأنهم "خطر ديني"، وتطالب بمنع أي نشاط كنسي علني. وترتبط هذه المنظمات بأحزاب يمينية كـ"عوتسما يهوديت" بزعامة إيتمار بن غفير، الذي يتبنى إرث الحاخام مئير كهانا الداعي إلى طرد جميع غير اليهود من "أرض الميعاد". حتى حين تتعاون شخصيات من التيار نفسه مع مجموعات مسيحية إنجيلية داعمة لـ"إسرائيل"، فإن هذا التعاون يبقى مصلحيًا بحتًا، قائمًا على تأييد الهيمنة اليهودية لا على الاعتراف المتبادل.

ويُشكّل رجال الدين اليهود الركيزة الروحية لهذا المشروع الإقصائي. فالحاخام دوف ليئور، المرجعية الدينية لمستوطنة كريات أربع، أضفى الشرعية على كتاب "توراة الملك" الذي يبرر قتل المدنيين من "شعوب العدو". أما سياسيًا، فيُترجم هذا الخطاب في تصريحات وزراء ونواب يرون أن "يهودية الدولة" تقتضي تقييد حقوق غير اليهود. وتقول الوزيرة أوريت ستروك، من حزب "الصهيونية الدينية"، إن "أرض إسرائيل لا تحتمل الكفر"، في إشارة إلى رفضها أي وجود غير يهودي.

وتؤدي هذه العقيدة إلى واقع تمييزي متجذر أيضا ضد المسيحيين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل 1948، سواء في فرص العمل أو السكن أو المشاركة السياسية. في المدن التي يسكنها المسيحيون بالداخل، تُرفض مشاريع بناء كنائس جديدة أو إسكان عائلات عربية مسيحية بحجة الحفاظ على "الهوية اليهودية للمدينة".

#المسيحيين في فلسطين