متابعة قدس: أعاد مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، فتح ملف إحدى أبشع الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال عدوانه على القطاع، كاشفًا أن قواته عمدت إلى تفخيخ أجسام مدنية غير مؤذية بألغام وعبوات تنفجر فور لمسها، في أسلوب يعيد إلى الأذهان ممارسات استخدمت في الحروب السوفيتية القديمة بأفغانستان. وأوضح البرش أن الاحتلال لجأ إلى تصميم قنابل على هيئة ألعاب ودمى ودببة صغيرة بألوان زاهية وأشكال تجذب الأطفال، في محاولة مقصودة لاستهدافهم، مؤكدًا أن المستشفيات في غزة تستقبل يوميًا عشرات الحالات لأطفال مبتوري الأطراف أو مشوهين بسبب فضولهم الفطري تجاه ما يظنونه ألعابًا.
ويقول البرش إن جيش الاحتلال يستخدم “أساليب شيطانية” لزرع الموت في تفاصيل الحياة اليومية، مشيرًا إلى أن بعض هذه الأجسام المفخخة كانت تُلقى في الشوارع أو داخل المنازل بعد انسحاب القوات من المناطق. وتُعد عمليات التمويه والتلغيم من وسائل الحرب القديمة التي تهدف إلى إيقاع الخسائر بالخصم وعرقلة تحركاته، إلا أن القانون الدولي يحظر بشكل قاطع استخدام الألغام أو العبوات على شكل ألعاب الأطفال أو أي أدوات مدنية غير مؤذية، باعتبارها جريمة حرب مكتملة الأركان.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن جيش الاحتلال لم يكتف بتفخيخ الألعاب، بل استخدم أيضًا علب الطعام والمواد التموينية، تاركًا إياها في المناطق المدمرة لتنفجر في وجوه من يحاول فتحها بدافع الجوع، في مشهد يعكس عقيدة انتقامية تتجاوز أهداف الحرب إلى إذلال المدنيين واستهداف بقاءهم اليومي. وتعيد هذه الممارسات إلى الذاكرة ما ارتكبه الجيش السوفييتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، حين زرعت وحدات المظليين ألعابًا بلاستيكية مفخخة على ضفاف الأنهار والطرق الجبلية، انفجرت في أيدي الأطفال، وأودت بحياة المئات منهم وفق توثيقات حقوقية آنذاك.
ولم تقتصر هذه الجريمة على أفغانستان أو غزة؛ فقد سجلت حوادث مشابهة في العراق خلال معارك الموصل بين تنظيم الدولة والقوات العراقية، حيث عثرت القوات على دبب محشوة بالقنابل وعرائس مفخخة وصواعق تفجير داخل المنازل، وفق تقارير لصحيفة “الغارديان”. ويعكس هذا النمط من الجرائم محاولة منهجية لتحويل أبسط رموز الطفولة إلى أدوات قتل مموهة، بما يضاعف من الأثر النفسي والمجتمعي للحرب على المدنيين.
وتحظر المادة السابعة من البروتوكول الثاني لاتفاقية حظر أو تقييد استعمال الألغام والأفخاخ المتفجرة لعام 1980، تفخيخ أي أجسام مدنية أو رموز وقائية أو ألعاب أطفال أو أدوات طعام أو أجهزة منزلية، أو أي أغراض ذات طابع ديني أو ثقافي أو إنساني، وتعتبرها من “الوسائل المحرمة” في النزاعات المسلحة. كما أكدت منظمة الصليب الأحمر والجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها أن استخدام مثل هذه الوسائل يشكل انتهاكًا صارخًا لقوانين الحرب ويستوجب الملاحقة القضائية.
وفي ظل الإبادة الجارية في غزة، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقارب 7500 طن من الذخائر غير المنفجرة تنتشر في أنحاء القطاع، ما يجعل إزالة مخلفات الحرب مهمة شاقة قد تستغرق نحو 14 عامًا، وفق دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، التي حذرت من أن هذه الذخائر تمثل خطرًا دائمًا على حياة المدنيين، لا سيما الأطفال الذين يدفعون أثمان الحرب حتى بعد توقفها.

                        

