شبكة قدس الإخبارية

بعد استشهاد قيادات من كتائب القسام وسرايا القدس قرب جنين.. ماذا عن المقاومة في الضفة؟ 

Screenshot 2025-10-28 114313

متابعة قدس: عندما بدأت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حملتها ضد فصائل المقاومة في مخيم جنين في ديسمبر 2024، كان قرار المقاومة أن يتوزّع المقاومون الموجودون في المخيم على قرى وبلدات جنين بل وأبعد من ذلك، وتشكيل نواة مقاومة أوسع من الناحية الجغرافية لتعقيد مهمة ملاحقتهم بتوسيع رقعة تواجدهم. كان الاعتقاد أن حملة السلطة الأمنية ستليها حملة لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ ولذلك شكّل هذا الانتشار جزءًا من خطةٍ لاستدامة المقاومة ومنع القضاء عليها بمحاصرتها في بقعة جغرافية محددة.

فعليًا، حدث ما كان متوقعًا: بعد حملة الأجهزة الأمنية للسلطة، بدأ الاحتلال عدوانًا واسعًا على مخيم جنين في يناير 2025. كان المقاومون قد تجهّزوا لتلك اللحظة من خلال عملية الانتشار، لكن ما لم يتوقعه أحد هو أن أجهزة أمن السلطة ستعمل على اعتقال وملاحقة هؤلاء المقاومين في القرى والبلدات التي انسحبوا إليها في ذروة العدوان الإسرائيلي، خاصة وأن حجة السلطة كانت في حملتها الأمنية هو منع عدوان الاحتلال. بحسب آخر المعطيات، اعتقلت أجهزة أمن السلطة 46 مقاوماً من مخيم جنين بالتزامن مع عدوان الاحتلال على المخيم؛ ولا يزالون في سجونها، ومنهم من تعرّض لتعذيب شديد. كانت الدعاية التي تروّجها ماكينات السلطة تقول إنهم انسحبوا من المواجهة، لكن الحقيقة أنهم انسحبوا من مواجهةٍ إلى مواجهةٍ، ولم يتوقّعوا أن تلاحقهم السلطة حتى في ذروة عدوان الاحتلال.

مع فجر يوم 28 أكتوبر 2025، كان ثلاثة من هؤلاء المقاومين — وهم القائد في سرايا القدس عبد الله جلامنة، والقائد في كتائب القسام قيس البيطاوي، والمقاوم في سرايا القدس أحمد نشرتي — على موعد مع الشهادة بعيدًا عن مخيمهم الذي لاحقتهم فيه مخابرات الاحتلال وجيشه وأجهزة أمن السلطة. زهدوا في الدنيا إلى حد أن الصور التي خرجت من مكان مبيتهم وثّقت فراشًا بلا أغطية؛ قاوموا حتى النفس الأخير، وتداعَت وحدات الاحتلال الخاصة وطائراته لقتلهم. في وادي حسن قرب بلدة كفر قود شمال غرب جنين، كانوا بحسب رواية الاحتلال يعدّون لعملٍ مقاوم، وعند محاصرتهم رفضوا الاستسلام فاستشهدوا.

يذكّرنا هؤلاء «أصحاب الكهف» الثلاثة، الذين ارتقوا في أكتوبر، بشهيد كهفٍ ارتقى أيضًا في أكتوبر 2013، وهو الشهيد محمد عاصي أحد مهندسي عملية تل أبيب التفجيرية التي قيل حينها إنها أوقفت حرب الاحتلال على غزة عام 2012. رمزية الكهف في هذه المواجهة الممتدة عبر السنين في الضفة الغربية تكمن في ثبات الموقف المقاوم رغم ضعف الإمكانات والملاحقات، وإصرار المقاومة والمقاومين على المواجهة حتى لو تقطعت بهم السبل، وفي سياق الإطباق الاستخباراتي والعسكري في الضفة الغربية الذي لا يترك للمقاومين مجالًا للتواجد في المراكز الحضرية فيلجأون إلى الجبال.

تشير المعطيات الميدانية في الضفة الغربية إلى أن قوى المقاومة الفلسطينية قد بدأت بالفعل في التعافي رغم الملاحقات التي شملت غارات جوية، واجتياحات، واغتيالات، واعتقالات لدى الاحتلال وأجهزة أمن السلطة، وقد أعادت تشكيل بعض المجموعات مركز الثقل الأمني والسياسي للسلطة الفلسطينية، وهو ما يظهر في إعلانات الفصائل عن تبني عمليات إطلاق نار. يطبق الاحتلال على الضفة منذ عقدين استراتيجية «جزّ العشب»، وهو تعبير يعكس الافتراض القائل إنّ "إسرائيل" تجد نفسها في صراع طويل وغير قابل للحل مع فصائل تكنّ لها عداءً مطلقًا. في مثل هذا الوضع، الذي يختلف جوهريًا عن صراع بين دولتين، لا يكون استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية كبرى مستحيلًا فحسب، بل يُستخدم أساسًا لتقليص قدرة العدو على إلحاق الضرر بـ"إسرائيل" إلى أدنى حد ممكن. ومع ذلك، يعترف واضعو هذه النظرية بصعوبة التأثير على موقف المقاومة والمقاومين؛ وبالتالي فإن أقصى ما تأمله "إسرائيل" هو إضعاف حالة المقاومة مع اعترافها بعدم القدرة على القضاء عليها.

ولعلّ مطالبات بعض الجهات السياسية والأمنية لدى الاحتلال بتعريف الضفة الغربية بـ"جبهة قتال رئيسية" ليس ترفا في التعريفات والمصطلحات، وإنما انسجاما مع بعض المعطيات التي تشير إلى تنامي محاولة فصائل المقاومة تهريب الأسلحة إلى الضفة، ومن بينها أسلحة مؤثرة في حالة الاشتباك والردع الميداني كالعبوات الناسفة المتطورة وقذائف الأر بي جي. بالنسبة للاحتلال، فإن المحاولة الفاشلة قد يكون في مقابلها محاولة ناجحة، وأن المقاومة استفادت من دراسة بيئة الضفة وأعادت صياغة التكتيكات التي تتجاوز الثغرات السابقة.