لم يحن الوقت لإصدار طبعة جديدة من المؤلفات الكاملة لغسان كنفاني، نحن فقط متأخرون عن ذلك. من منا يملك نسخاً من مؤلفات كنفاني؟ الكتب متفرّقة أو المجلدات الكاملة؟ ومن كانت لديه المجموعة الكاملة، متى حصل عليها؟ أمّا من لم تكن لديه فهل يجدها في المكتبات أو معارض الكتاب العربية؟ باختصار، من يمتلك مِن معظمنا المجموعة الكاملة هي إما لديه منذ زمن أو أنه لم يحصل عليها بالسهولة التي لا بدّ أن تكون بها، على الأغلب. وبكل الأحوال، سيحصل على الطبعة ذاتها بأغلفتها القديمة وخطوط نصوصها الرديئة كما في أي كتب قديمة أُعيد طباعتها بكسل بيّن.
أتكلم عن المؤلفات -كتب متفرقة ومجلدات- التي تشترك في نشرها مؤسسة غسان كنفاني ومؤسسة الأبحاث العربية، ذات الأغلفة البرتقالية المطبوعة على أجهزة مصابة بنوع من الاستيغماتيزم على ما يبدو. بغض النظر عمّن يقع اللوم، وعن الأسلوب الاحتكاري الذي حدّ من انتشار مؤلفات غسان بين الأجيال الجديدة، بغض النظر عن افتقار المكتبات العامة لهذه الطبعات الرديئة بالمجمل، أسأل عن الذي حال دون أن تُوزّع الطبعات القديمة بشكل جيد، ودون أن تستلمها دار نشر تعرف كيف تسوّق للكتاب وتوزّعه، لا مؤسسات ليس إصدار الكتب مهنتها، فكيف بتوزيعها وتسويقها؟
ولو متأخراً، قامت دار رمال في نيقوسيا هذا العام بإعادة طباعة الأعمال الكاملة لغسان كنفاني بطلب من زوجته آني كنفاني وذلك بعد إقفال مؤسسة الأبحاث العربية كما أخبرتنا نورة الشوا مديرة دار رمال. أتت الطبعة جديدة تماماً، في كتب متفرّقة-ومجلّدات ستصدر قريباً- بورق وخطّ متميّزين وأنيقين، وأتت الطبعات خفيفة وبقطع صغير نسبياً مناسب لتنقّل قارئها. كما صُمّمت أغلفة الكتب المتفرّقة بشكل شبه متكامل حيث تم اختيار إحدى لوحات كنفاني وتوزيعها على 17 كتاباً من مؤلفاته، القصص القصيرة والروايات والمسرحيات والدراسات الأدبية.
لعلّها تقوم دار رمال الآن بما كان لا بدّ أن تقوم به هي أو دار غيرها منذ زمن. وهو ما لم يكن، بسبب من حقوق النشر التي تحول دون طباعة المؤلفات من أكثر من طرف على الأغلب. لكن هل من مبرّرات لسوء التوزيع المرتبط بحقوق النشر تلك واحتكارها؟ كوننا نتكلّم عن مؤلفات قديمة تفوق الضرورة الأدبية والثقافية والسياسية لانتشارها بين أكثر من جيل أيّ منفعة مادية هي محدودة بكل الأحوال تبعاً لسوء التوزيع.
أكرّر سؤالي بمقاربة أخرى: ما الذي جعلني قبل أكثر من 10 سنين أطلب من صديق قادم إلى حمص بأن يحضر لي من بيروت مؤلفات كنفاني. ثم لا يجد، حتى هناك، غير الكتب المتفرقة فيحضرها، ثم أنتظر لأجد صدفة المجلدات البرتقالية في جناح ما في أحد معارض الكتاب؟ هل كان لا بدّ من كل ذلك للحصول على مؤلفات أديب كغسان لا يُفترض أن تنقطع عنها المكتبات؟
لنتخطى ذلك، الآن أتتنا طبعة جديدة ظاهر عليها اعتناء دار النشر بإخراجها بما يلائم محتواها واسم غسان على أغلفتها، ثم ماذا؟ التوزيع ثم التوزيع. نتكلّم هنا عن غسان، أحد روّاد القصة والمحدّثين في الرواية العربية، القائد السياسي والصحافي والأديب الذي لم يكتف بحبره فأكمل ما نقصته كتاباته بدمه. ما يهم الآن هو التوزيع، أن تتوفر هذه المؤلفات في المكتبات، لا أن ننتظر دار رمال بين معرض كتاب وآخر لتأتينا من قبرص، إن حضرت. والأهم أن تتوافر في المكتبات في المدن حيث المخيمات الفلسطينية وفي الداخل الفلسطيني، ثم أن تكون بأسعار مناسبة تسمح بانتشارها لأن جيلاً واسعاً لا يعرف عن غسان غير ما قرأه عبر الإنترنت، إضافة لبعض صوره، فالكثير من الشباب يعرف عن غسان أكثر بكثير مما يعرف عن ومن أدب غسان.
أمر أخير لا بدّ منه، افتتاحيات غسان السياسية وكتاباته في مجلة الهدف، أين يكنِزُها التنظيم الذي يصدر المجلّة؟ لمَ لمْ نقرأ أياً منها بعد؟ وكتابات كنفاني في الصحافة اللبنانية التي وقّعها باسم فارس فارس، لمَ تُحكم دار الآداب الخناق عليها بطبعة قديمة رديئة غلافاً وورقاً وطباعةً، لا هي تريد إعادة طباعتها ولا هي توفر الطبعة القديمة في أجنحتها في معارض الكتاب؟
أما الخبر الجيّد من بين كل ذلك فهو أن مؤسّسة غسان كنفاني قرّرت أن تضيف للمجلدات الأربعة القديمة مجلّداً خامساً يصدر قريباً جامعاً الدراسات السياسية التي كتبها غسان ونُشرت متفرّقة قبل أن تصدر في هذه الطبعة الجديدة.
أخيراً أسأل: لمَ لمْ يكن كل ذلك قبل الآن وقد مرّ على اغتيال غسان 41 عاماً؟
*نقلا عن الموقع الشخصي لسليم البيك "حرية".