ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: اعتبر المحلل العسكري "الإسرائيلي" آفي يسخاروف أن قطاع غزة تحوّل إلى واحد من أكبر مواقع الدمار العقاري في العالم، فيما يؤدي جيش الاحتلال دور "المقاول التنفيذي" لهذا الخراب. وأوضح أن كل صورة تخرج من القطاع، وكل تقرير تلفزيوني، يكشف حجم هذا الدمار الذي وصفه بأنه ذو أبعاد توراتية، تُمنح له تبريرات متناقضة: تارة بحجة القضاء على "كتيبة خانيونس"، وتارة لحماية أحد المحاور وأحيانًا بدعوى الدفاع عن جنود الاحتلال.
واستدرك يسخاروف قائلا: لكن في الواقع، يتكبد الجنود أنفسهم والمقاولون خسائر أثناء عمليات الهدم من خلال العمليات التي تستهدفهم، كما حصل مؤخرًا حين كشفت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" عن شق طريق جديد يفصل مدينة خانيونس إلى قسمين تحت اسم "محور ماغين عوز"، بهدف القضاء على كتيبة حماس هناك، رغم أن هذه الكتيبة سبق أن أعلن الجيش القضاء عليها وأن معظم قادتها استشهدوا. وفي اليوم التالي، أعلن جيش الاحتلال أنه بدأ بهدم مئات المباني الممتدة على طول الطريق الجديد بهدف تأمينه.
ويضيف يسخاروف أن هذه هي خلاصة الحرب الميدانية الحالية: لا أهداف واضحة، بل مجرد هدم واسع النطاق لأحياء ومبانٍ لا يُعتقد أنها ستقضي على حركة حماس، بل تبدو أشبه بعمل انتقامي عديم الجدوى. فالهدم بات غاية قائمة بذاتها، حتى بات من الصعب معرفة الهدف الحقيقي، ما لم يكن أحد يسعى لمنع عودة الفلسطينيين إلى الإقامة في القطاع مستقبلًا.
وفي سياق متصل، يرى المحلل العسكري "الإسرائيلي" أن هذه العمليات الهندسية الواسعة لن تُسرّع الإفراج عن الأسرى لدى المقاومة، ولن تقود إلى ما يسمونه بـ"انهيار حماس". ويؤكد أن هنالك خلطًا بين تدمير البنية التحتية وبين القضاء على حماس. ومع ذلك، لا يزال أنصار حكومة نتنياهو يروجون لانتصار قريب، في تكرار ممل لشعارات جوفاء. مدينة مدمرة، حيّ آخر مدمر، غارة جديدة، وادعاءات باغتيال قادة في حماس أو الجهاد؛ أسماء لا يعرفها حتى الجمهور "الإسرائيلي"، وربما حتى لا دور لها.
ويشير يسخاروف إلى أن جنود الاحتلال يواصلون دفع الثمن، سواء بالموت أو بالانتحار جراء المعارك. ويتساءل المستوطنون "الإسرائيليون": ما الغاية من كل هذا؟ ولماذا ترفض الحكومة صفقة تبادل شاملة؟ بينما تدخل أفواج من الجنود مجددًا إلى غزة، دون خطة واضحة سوى المزيد من تدمير الأحياء. ويطرح تساؤلًا ساخرًا: هل يتوقع أحد فعلًا أن يخرج قادة حماس المتبقون رافعين الأعلام البيضاء؟ حماس، كما يؤكد، لن تستسلم.
كما يرى المحلل العسكري "الإسرائيلي" أن الانتقال إلى تدمير أحياء في مدينة غزة نفسها – وهو ما لم تُقدم عليه "إسرائيل" حتى الآن – سيكون بمثابة خدمة إضافية لحماس على المدى البعيد، إذ سيغذي روح الانتقام لدى الأجيال القادمة، وسيحوّل اليأس إلى وقود للمقاومة، وهو ما تبني عليه الحركة مستقبلها.
ويرى أنه اليوم، رغم كل ما حدث، لم تُعد حكومة الاحتلال خطة بديلة لـ"اليوم التالي"، رغم التحذيرات المتكررة من محللين وسياسيين، ودعوات إعداد بديل لحكم حماس، وتنسيق مع قوى فلسطينية وعربية. لكن بدلاً من ذلك، كانت الحكومة منشغلة بسنّ قوانين انقلاب قضائي وتشريعات تعفي فئات من الخدمة العسكرية، بينما يُقتل جنودها في الميدان.
ويؤكد يسخاروف في تحليله على أن "إسرائيل"، إن أرادت يومًا إنهاء هذه الحرب، فلا مفر من الذهاب إلى تسوية إقليمية مع دول عربية والسلطة الفلسطينية. هذه التسوية ممكنة إذا وُجدت الإرادة، لكن يبدو أن الحكومة الحالية ترفضها. وبدلًا من ذلك، تواصل اتهام الجميع – الجيش، الإعلام، المعارضة – بالفشل، متجاهلة مسؤوليتها الكاملة عن الغرق في مستنقع غزة.
ويحذر من أن حكومة نتنياهو، رغم كل شيء، ستُجبر في النهاية على التغيير، لأن الجمهور الذي يخدم ويدفع الضرائب ويُخلص للدولة، لن يتحمل هذه الحرب بلا نهاية، ولن يقبل أن تظل غزة ساحة خراب أبدي باسم نصرٍ زائف.