خاص - قدس الإخبارية:
- بكم العنب؟
= الوقية بـ25 شيكل
- والتين؟
= الوقية بـ35 شيكل
حوار قصير عند "بسطة" تعرض هذين الصنفين، بين طفل وبائع بسيط، انتهى بصدمة بدت واضحة على ملامح الصغير وهو يعد الشواكل السبعة التي يحملها، جرّ أذيال الخيبة ومضى في طريقه متمتمًا بكلام غير مفهوم، أما البائع فلم يستغرب، اعتاد أن يستقبل السائلين أكثر من المُشترين، ومثل هذا الحوار يتكرر كثيرا معه ومع غيره من باعة الفواكه، مع العلم أن السعر يتغير كل لحظة، ولا قيد على ارتفاعه.
العنب والتين كانا من علامات الصيف في قطاع غزة، يكاد لا يخلو بيت منهما في موسمهما، خاصة عندما أراضي "الشيخ عجلين" الزراعية تفيض بخيرها، لكن الحرب التي غيّرت كل شيء، تركت أثرها على الفواكه، فغيبتها عن الأسواق بشكل شبه كامل، وعندما يظهر قليل منها يكون بأسعار مرتفعة، خاصة إذا ما قارنّاها بأولويات أخرى، فعوضا عن الفاكهة، يُفضل الفلسطينيون أن يشتروا بالمال القليل الذي يملكونه سلعا أساسية ومشبعة مثل الطحين الذي لم يعد متوافره الآن.
قبل العنب والتين، ظهر البطيخ والشمام، لكن بنفس الظروف، قليلة، وغالية، وتثير حسرة الفلسطينيين حولها.
وجبة غداء
تشتري هبة أيوب عنقودا واحدا صغيرا من العنب، وحبّات تين بعدد أفراد أسرتها الستة، وتخبرنا أنها لم تفعل ذلك إلا اضطرارا لأجل أطفالها الذين يشتهون الفاكهة ولا يطلبوها.
تقول إن "من سوء الحظ"، أن بائعا قرر أن يعرض بضاعته على بُعد أمتار من خيمتها، كلما خرج أبناؤها للعب، أو إن كلفتهم بشراء شيء ما، يرجعوا بأسعار محدّثة للفاكهة، فيكون أول ما يقولونه فور عودتهم: "ماما، العنب صار الوقية 25"، "ماما، وقية التين زاد سعرها"...
لا يطلب الأطفال شيئا، لكنها تفهم من سؤالهم المتكرر عن السعر، ومن طريقة كلامهم، مدى اشتياقهم لتذوق الفاكهة، خاصة أن التين كان الصنف المفضل لاثنين منهما.
توضح: "يحمل الأطفال همومًا تكبرهم، يفهمون الظرف المؤلم الذي نمرّ به، فلا يطلبون شيئا، لكنني لا أتحمل فأشتري لهم ما أشعر أنهم يتمنوه في صمت"، مبينة: "لا يمكن أن أدفع هذا المبلغ لوجبة للتسلية، سأجعلها وجبة غداء مع نصف رغيف".
تشارك رجاء المصري في الحديث، فتخبرنا أنها لم تعد تصطحب أبناءها للسوق حتى لا يطلبوا منها شيئا لا يمكنها شراؤه، وخاصة الفاكهة.
تقول وهي ما تزال مترددة في الشراء: "أشتهي الفاكهة كلما مررت بها، فكيف يتحمل الصغار رؤيتها دون تناولها؟!".
وتضيف: "أنا نازحة في بيت للأقارب، العدد فيه كبير، نتشارك الغرف، فلا خصوصية في الطعام، لا يمكنني شراء الفاكهة للجميع، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن أُطعم أبنائي أمامهم دون دعوتهم للمشاركة، خاصة الأطفال منهم".
وتتابع: "الحل الأمثل الذي اهتديت له بعد طول تفكير، أن أشتري لأصحاب البيت وللأسرتين النازحتين معنا كمية صغيرة أعطيها للأمهات لتوزعنها على أسرهن"، مواصلة: "ستزيد التكلفة كثيرا، لكن لا مفر".
تتبادل السيدتان الحديث مستذكرتين "العنبية" التي كانتا تعدانها في موسم العنب، وكيف كانتا تنتظران انخفاض سعره كثيرا لشراء كمية كبيرة تكفي لصنع الكثير من المربى، يأخذهما الكلام فتحكي كل واحدة للأخرى مقاديرها وطريقتها في إعداد العنبية، تصغيان باهتمام كأنهما نسيتا أنهما لن تعدّاها هذا العام.
ردود فعل مؤذية
يقطع حديثهما يمرّ رجل بالبسطة، فيحسم أمره سريعا عندما يسمع الأسعار: "أشتري للأولاد شيء يشبعهم أحسن"، ويمضي دون التفات للبائع الذي يناديه محاولا إغراءه بتخفيض السعر له إن اشترى.
حول بسطة أخرى، يتحلق عدد من الأطفال، يسألون السعر، فيرد أحدهم بعفوية المصدوم: "أوووف، على إيش كل هدا!".
يعطي البائع حبة عنب واحدة لكل منهم، ويقول: "هؤلاء مثل أبنائي، لا أقدر على ردّهم دون تناولها".
ويضيف رائد عليان: "نظرات الناس مؤلمة، الكل يشتهي الفاكهة، خاصة الأطفال، ولا أستطيع أن أعطي الجميع، ولا أن أخفض السعر، فأنا بائع بسيط لا أملك رأس مال كبير ولست صاحب أرض زراعية تنتج مثل هذه الخيرات".
ويتابع: "أتمنى لو بإمكاني بيع الفاكهة بأسعار أقل، لكني أشتريها بمبالغ كبيرة، حتى أنني لا أُطعم أهل بيتي منها كثيرا".
ردود فعل الناس تؤذيه، يشعر أنه لص أو متهم بسبب نظراتهم وكلامهم القاسي الذي يوجهونه له أحيانا، كما يقول.