خاص - شبكة قُدس: صباح اليوم، أعلنت مصلحة مياه محافظة القدس المسؤولة عن تزويد مناطق واسعة في وسط الضفة الغربية المحتلة، خاصة منطقة رام الله، بالمياه، عن توقف الضخ من آبار عين سامية الواقعة قرب قرية كفر مالك، بعد سلسلة من الاعتداءات نفذتها ميلشيات المستوطنين، خلال الأيام الماضية، استهدفت مختلف المعدات في المكان.
يعيد إعلان المصلحة طرح ملف خطيراً قد يصل إلى تهديد وجودي، في المستقبل، على حياة الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية المحتلة، وهو ملف المياه، الذي عمل الاحتلال خلال عقود سيطرته على الأرض الفلسطينية على تحويله إلى أداة من أدوات مشروعه الاستعماري لتهجير الفلسطينيين.
تصاعدت خلال الشهور الماضية اعتداءات ميلشيات المستوطنين على التجمعات والقرى الفلسطينية، في الضفة الغربية المحتلة، تزامناً مع حرب الإبادة الجماعية، في قطاع غزة، وطالت من ضمن أهدافها عيون ماء ومحطات ضخ وغيرها، وهو ما فعله جيش الاحتلال في القطاع أيضاً، حين قصف بالطيران الحربي والطائرات المسيَرة وقذائف المدفعية محطات المياه والتنقية وطوابير الباحثين عن الماء الصالح للشرب، ووصلت غزة وفقاً لتقارير حقوقية ودولية مختلفة إلى مرحلة الحرب بالعطش تضاف إلى حرب بالتجويع.
أطماع الماء منذ البدايات
تشير دراسات تاريخية إلى أن العصابات الصهيونية حاربت الفلسطينيين في قطرة الماء، منذ حرب النكبة، حين سممت آبار المياه بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين، ومنذ قيام دولة الاحتلال عملت على السيطرة على مصادر المياه في الأراضي التي سيطرت عليها بعد أن طردت أصحابها منها تحت القتل والمجازر، وسلمتها إلى شركة المياه الإسرائيلية التي ضخت كميات هائلة من المياه إلى المستوطنات وحرمت أصحاب الأرض منها.
هذه الأطماع التاريخية في السيطرة على المياه من قبل الحركة الصهيونية، تظهر في الوثيقة التي قدمتها لمؤتمر باريس للسلام، في 1919، وتضمن من جملة المطالب الصهيونية: "من الأهمية البالغة أن نضمن ليس فقط استغلال جميع مصادر المياه التي تغذي البلاد بالفعل، بل أيضًا قدرتنا على الحفاظ على هذه المصادر والسيطرة عليها".
أسست الحركة الصهيونية شركة للسيطرة على المياه الفلسطينية والعربية، في 1937، وتعرف بالعبرية بـ"مكوروت"، ومنحتها سلطات الاحتلال البريطاني في فلسطين، قبل النكبة، صلاحيات تنفيذ مشاريع في الجليل الغربي والأغوار في بيسان، ونقلت مياه نهر العوجا إلى مناطق في بئر السبع المحتلة، وبعد 1967 سرقت كميات من المياه من الجولان السوري المحتل، وخلال فترة احتلال جنوب لبنان قبل تحريره، في 2000، سرقت كميات من أنهاره والينابيع فيه.
قوانين عسكرية في خدمة سرقة الماء
بعد احتلال الضفة الغربية، في 1967، عمل الاحتلال على السيطرة على الأحواض المائية الرئيسية الثلاثة فيها، وهي الحوض الغربي، والشمالي الشرقي، والحوض الشرقي.
أصدر الاحتلال مجموعات قرارات عسكرية لتحقيق السيطرة على المصادر المائية في الضفة الغربية المحتلة:
-
الأمر 92 لعام 1967 المتعلق بمصادر المياه في الضفة الغربية
-
الأمر 158 لعام 1967 المتعلق بمراقبة قوانين المياه في الضفة الغربية والإشراف عليها
-
الأمر 291 لعام 1968: مصادر المياه في الضفة الغربية ملك لدولة الاحتلال
-
الأمر 380 لعام 1969: تحويل جميع صلاحيات دائرة مياه الضفة الغربية التي كانت تتبع لسلطة المصادر الطبيعية الأردنية قبل الاحتلال إلى القائد العسكري الإسرائيلي
-
الأمر 1015 لعام 1982: يمنع زراعة أي نوع من المزروعات من دون إذن سلطات الاحتلال العسكرية أو إذن منها
الاتفاقيات… شرعنة السرقة
يستخدم الاحتلال الاتفاقية المرحلية الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، في 1995، للزعم أنه له "حقوقاً" في السيطرة على المصادر المائية:
-
الاتفاقية كان يجب أن تكون سارية فقط لمدة 5 سنوات من تاريخ توقيعها
-
منذ توقيع الاتفاقية زادت أعداد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أضعافاً لكن كميات المياه بقيت كما هي
-
فرضت الاتفاقية واقعاً غير عادل إذ تتعامل مع كامل فلسطين المحتلة على أنها قطاعين مائيين متساويين بينما في الواقع يسيطر الاحتلال على مصادر المياه في الضفة الغربية المحتلة وفي الوقت ذاته على المصادر في الأرض المحتلة 1948 والجولان السوري المحتل أيضاً
-
ترفض دولة الاحتلال تزويد الفلسطينيين بحصص المياه الإضافية التي وعدوا بها
-
كان يجب تزويد الفلسطينيين بالمياه من الحوض الفرعي الشرقي للحوض الفرعي الجوفي الجبلي لكن هذا لم يحصل
-
حولت دولة الاحتلال لجنة "المياه الفلسطينية - الإسرائيلية المشتركة إلى أداة لخدمة أهدافها
-
فرضت على الفلسطينيين الحصول على تصريح قبل تنفيذ أي مشروع مائي في المنطقة "ج" من ما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال
حرب التعطيش… أداة مشروع التهجير
في الواقع لا يملك الفلسطينيون سلطة منع اعتداء جنود الاحتلال والمستوطنين، على مصادر المياه، ويفرض الاحتلال عليهم قيوداً على حفر الآبار الجوفية، وأجبرت السلطة على شراء مياه من شركة "مكوروت" الإسرائيلية لسد العجز الناتج عن السياسات الإسرائيلية في السيطرة على مصادر المياه، بمبالغ مضاعفة، وهي ذات المياه المسروقة من الأرض الفلسطينية، وتشير إحصائية في 2020 أن الفلسطينيين اشتروا نحو 77.1 مليون متر مكعب من الشركة الإسرائيلية وزعت على نحو غير متساو في الضفة الغربية.
ويستهلك المستوطنون كميات مياه تقدر بأكثر من 3 أضعاف مقابل استهلاك الفلسطينيين، وفي الأغوار الفلسطينية يحرم الاحتلال من المياه لمزروعاتهم وحياتهم اليومية، بينما تصرف المستوطنات المقامة على أراضيهم كميات هائلة من المياه، وفي السنوات الأخيرة قلصت الشركة الإسرائيلية كميات المياه المزودة للمناطق الفلسطينية، وهو ما زاد من الأزمة الدائمة في مناطق مختلفة بينها محافظة الخليل.
وتتفق هذه السياسات مع مخططات لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة، التي يعمل عليها المستوى السياسي الأعلى في دولة الاحتلال، ممثلاً بالحكومة التي تضم سموتريتش وبن غفير وقيادات من التيار "الصهيوني الديني"، الذي أعلن عن برنامجه من سنوات وهو سيطرة إسرائيلية تامة على البلاد من البحر إلى النهر، والتعطيش هو أحد وسائل التهجير، وهي حرب لم تتوقف منذ عقود، حين ناقش وزير جيش الاحتلال السابق، موشيه دايان، مع أركان حكومته عند احتلال 1967 طرق تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة وأحد الوسائل المطروحة حينها حرمانهم من الماء.