شبكة قدس الإخبارية

محللون لـ "قدس": محاولات القسام أسر الجنود تُربك جيش الاحتلال وتعمّق مأزقه السياسي

٢١٣

 

محللون لـ "قدس": كمائن القسام نوعية ومحاولات أسر تُربك جيش الاحتلال وتعمّق مأزقه السياسي

غزة - خاص قدس الإخبارية: سجل الاحتلال الإسرائيلي خلال الأسبوع الأخير تزايداً ملحوظاً في معدلات الجنود القتلى والمصابين نتيجة لكمائن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ومحاولتها تنفيذ عمليات أسر.

وخلال الأسبوع الماضي اعترف الاحتلال الإسرائيلي بسعي كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تنفيذ عمليتي أسر أحدهما كانت في بيت حانون شمال قطاع غزة والأخرى في منطقة عبسان الكبيرة بمدينة خان يونس جنوب القطاع.

ومنذ ٤ يوليو/تموز الجاري اعترف الاحتلال الإسرائيلي بمقتل 9 من جنوده في عمليات للمقاومة الفلسطينية في غزة عدا عن عدد كبير من الإصابات التي سجلتها عمليات القنص والاستهداف بمضادات الدروع وتفخيخ المنازل.

وبثت القسام مقاطع فيديو تظهر عناصرها وهم ينفذون كمائن قاتلة بحق جنود الاحتلال الإسرائيلي من مسافة صفر، فضلاً عن مساعيهم أسر أحد الجنود الإسرائيليين كما حصل في عملية عبسان بخان يونس جنوب القطاع.

من جانبه، قال الكاتب والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة لـ “شبكة قدس” إن الساعات الماضية شهدت تصعيدًا ميدانيًا لافتًا من جانب كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، التي نفذت عملية نوعية شرق خان يونس، في إطار ما وصفته بتكتيك الاستنزاف الذي لم يعد مجرد استنزاف، بل قد يتحوّل إلى فرصة حقيقية لأسر جنود إسرائيليين.

وأضاف أبو زبيدة: “ما جاء على لسان المتحدث العسكري باسم القسام، أبو عبيدة، في تحذيراته السابقة بأن معركة الاستنزاف قد تتحول إلى فرصة جديدة لوقوع جنود الاحتلال في الأسر، لم يكن مجرد دعاية إعلامية، بل أصبح جزءًا من خطط عملياتية على الأرض. وقد جاءت عملية عبسان لتؤكد ذلك عمليًا.”

وأوضح أبو زبيدة أن كتائب القسام، وفق بيانها الميداني، نفذت كمينًا مركبًا وخاضت اشتباكًا مباشرًا مع القوات الإسرائيلية بهدف أسر أحد الجنود، إلا أن ظروف الميدان حالت دون إتمام العملية، ما دفع المقاتلين إلى قتل الجندي المستهدف واغتنام سلاحه، بعد استهداف ناقلات الجنود والدبابات وآليات الحفر بقذائف “الياسين 105”.

وبيّن أبو زبيدة أن هذه العملية تحمل دلالات عسكرية مهمة، أبرزها أن كتائب القسام اتخذت قرارًا عملياتيًا واضحًا بالانتقال من مرحلة الاستنزاف وإيقاع الخسائر إلى إمكانية فتح ملف أسرى جديد، قد يفرض معادلات سياسية وأمنية جديدة على الاحتلال.

وأشار إلى أن أسلوب الاشتباك القريب وجهاً لوجه يعكس انتقال القسام من حالة الدفاع إلى الهجوم التكتيكي المتحرك، مع انتقاء دقيق للتوقيت والمكان، الأمر الذي يُربك حسابات الجيش الإسرائيلي ويجعل تحركاته في الميدان محفوفة بالمخاطر.

كما لفت إلى أن استهداف الدبابات وآليات الحفر يؤكد إدراك المقاومة لأهمية تعطيل قدرات التوغل والهندسة العسكرية الإسرائيلية، وخلق بيئة اشتباك معقدة تحقق أهداف متعددة، أبرزها إنهاك القوات المهاجمة، إرباك عمليات الإخلاء، وفتح فرصة محتملة للأسر إذا سمحت الظروف الميدانية.

وتابع أبو زبيدة: “عملية عبسان تُرسل رسالة واضحة بأن الوقت لم يعد في صالح الاحتلال. كل يوم تأخير في المفاوضات أو مماطلة في ملف التهدئة وتبادل الأسرى يمنح المقاومة فرصة إضافية لتطوير قدراتها الميدانية ورفع مستوى العمليات.”

وأضاف: “إعلان القسام عن محاولة أسر لم تُكلل بالنجاح لا يُعتبر مؤشرًا على ضعف، بل يحمل تحذيرًا مبطنًا بأن مثل هذه المحاولات قد تنجح في المرات القادمة، رغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.”

وأكد أبو زبيدة أن هذه العملية تضع ضغوطًا نفسية إضافية على القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، التي تدرك جيدًا أن وقوع أي أسير جديد بيد المقاومة يمثل ورقة ضغط قوية، وأن الفشل في منع مثل هذه العمليات يهزّ صورة الردع الإسرائيلي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.

وقال أبو زبيدة لـ “شبكة قدس”: “هذه التطورات تؤكد أن المقاومة أصبحت تتحرك بثقة أكبر ميدانيًا، وهي مستعدة لتحويل أي اشتباك إلى فرصة استراتيجية، سواء عبر إيقاع خسائر مباشرة أو خلق ملف أسرى جديد يمكنه فرض أثمان سياسية وأمنية كبيرة على الاحتلال.”

وختم أبو زبيدة حديثه بالقول: “كتائب القسام باتت في مرحلة تصعيد محسوب، لا تكتفي فيه بعمليات الاستنزاف، بل تعمل على تراكم أوراق قوة جديدة على الأرض. وإن استمر الجمود في المفاوضات، فإن احتمالية وقوع جنود إسرائيليين في الأسر تبقى قائمة، وهو ما قد يعيد رسم معادلات الصراع في المنطقة.”

تراكم الضغط على المجتمع الإسرائيلي

بدوره،  قال سليمان بشارات، المختص في الشأن الإسرائيلي، لـ “شبكة قدس” إن العملية الأخيرة التي نفذتها كتائب القسام شرق خانيونس تندرج ضمن سياق أوسع من التأثيرات التي باتت تُراكم ضغطًا كبيرًا على المجتمع الإسرائيلي وقيادته السياسية والعسكرية.

وأضاف بشارات: “صحيح أن المجتمع الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر تغيّر وبدأ يُدرك طبيعة المواجهة ويدفع أثمانًا باهظة وهو متقبل لها إلى حد ما، باعتبار أن المعركة وجودية، لكن المعضلة اليوم تكمن في أن المواجهة لم تعد محدودة الزمن. نحن نتحدث عن حرب دخلت شهرها الحادي والعشرين، وهو ما يجعل من الصعب على القيادة الإسرائيلية الاستمرار في تسويق خطاب الحسم والانتصار داخليًا، في وقت لم تتمكن فيه إسرائيل حتى الآن من تحقيق هذا الحسم في غزة أمام فصائل المقاومة التي لا تملك إمكانيات الجيوش”.

وأوضح بشارات أن هذه الفجوة تُسبب عجزًا لدى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في بناء سردية مقنعة أمام الجمهور، مشيرًا إلى أن العمليات الأخيرة مثل عملية عبسان تُفاقم هذا العجز، لأنها تضرب صورة “السيطرة والردع” التي تحاول إسرائيل الترويج لها.

وتابع بشارات: “في الأيام الماضية، بدأنا نلاحظ انضمام شرائح جديدة داخل المجتمع الإسرائيلي إلى الأصوات المطالبة بوقف الحرب. لم يعد الحراك مقتصرًا على عائلات الأسرى الإسرائيليين، بل امتد ليشمل عائلات الجنود الموجودين حاليًا في قطاع غزة، وهذا تطوّر مهم للغاية. هناك قناعة تتنامى بأن الأثمان التي تُدفع كان من الممكن تجنّبها لو تم الذهاب نحو اتفاق سياسي، وهو ما تُطالب به شخصيات إسرائيلية وازنة لديها تجارب سياسية وعسكرية كبيرة، بينما يظل الموقف متصلبًا لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو”.

وأشار بشارات إلى أن هذا الواقع يُشكل تحديًا حقيقيًا ليس فقط أمام نتنياهو أو المجتمع الإسرائيلي داخليًا، بل أيضًا أمام علاقة الاحتلال الإسرائيلي مع الولايات المتحدة. وأضاف: “بات واضحًا أن العمليات الأخيرة للمقاومة تُربك إسرائيل وتكشف عدم قدرتها على الحسم من المنظور الأمريكي الإسرائيلي المشترك، ما يُضعف قدرة واشنطن على تسويق فكرة أن إسرائيل قادرة على فرض رؤيتها المستقبلية على الفلسطينيين، خصوصًا في قطاع غزة”.

ويرى بشارات أن تصاعد الخسائر والعمليات الميدانية يدفع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – أو أي إدارة أمريكية قائمة – إلى الإصرار على ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حتى وإن كان مرحليًا، بهدف تقليل حجم الخسائر التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي، والحد من التداعيات السياسية والأمنية.

وختم بشارات حديثه بالقول: “كل هذه العوامل، إلى جانب قدرة المقاومة وإصرارها على مطالبها التفاوضية، تفرض واقعًا ميدانيًا وسياسيًا مختلفًا عما كان يحاول بنيامين نتنياهو تسويقه دائمًا بأنه هو من يفرض الشروط والمسارات. اليوم يبدو نتنياهو وكأنه مضطر للاعتراف ضمنيًا بأن الواقع تغيّر بفعل العمليات التي تنفذها المقاومة، والتي أثبتت أنها لم تعد مجرد تكتيك استنزاف، بل أداة استراتيجية قادرة على قلب المعادلات”.