فلسطين المحتلة - شبكة قُدس: قالت منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، إن التجمعات البدوية الفلسطينية الممتدة في المناطق الشرقية من الضفة الغربية، لا سيما في الأغوار والقدس والخليل، تعيش أوضاعًا استثنائية من المعاناة المتراكمة، في ظل صراع مزدوج بين قمع الاحتلال الإسرائيلي وتجاهل المؤسسات الرسمية الفلسطينية.
وأوضحت المنظمة أن هذه التجمعات، التي يقدر عددها بالمئات وتمتد من شمال الضفة إلى جنوبها، تضم عائلات بدوية فلسطينية تمارس نمط حياة تقليدي قائم على الرعي والزراعة والتنقل الموسمي. لكن هذا النمط أصبح مهددًا بالاندثار، نتيجة سياسات الاحتلال التي تقيد حرية التنقل، وتصادر الأراضي، وتمنع الوصول إلى المراعي والمياه، وتفرض واقعًا قسريًا يحرم السكان من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
تعيش هذه التجمعات تحت وطأة اعتداءات متكررة تنفذها مجموعات المستوطنين، المدعومة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تتنوع بين سرقة المواشي، وتدمير الخيام والممتلكات، وتسميم الآبار، وقطع الطرق، بل وأحيانًا إطلاق النار على السكان، أو حرق مساكنهم.
وهذه الهجمات تتم في كثير من الأحيان تحت حماية الجنود، الذين لا يتدخلون لحماية السكان بل يمنعونهم من الدفاع عن أنفسهم أو حتى الوصول إلى ممتلكاتهم.
وبحسب إفادات ميدانية، شهدت الأشهر الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في الاعتداءات، خاصة على التجمعات الصغيرة والمعزولة مثل خربة خلة الضبع ومسافر يطا وعين الحلوة والمفقرة. ويشير نشطاء إلى أن هذه الهجمات تهدف إلى إرهاب السكان ودفعهم نحو الرحيل القسري، تمهيدًا لتوسعة المستوطنات أو إقامة بؤر استيطانية جديدة.
وإلى جانب العنف الميداني، تخوض سلطات الاحتلال حربًا قانونية ممنهجة عبر الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، والتي تصدر شهريًا عشرات أوامر الهدم بحق منازل وخيام ومرافق عامة، وتمنع إصدار تصاريح للبناء أو الترميم، ما يجعل أي محاولة لتحسين البنية التحتية عملاً "غير قانوني" يعرض صاحبه للعقوبة والهدم والغرامة.
وقد أسفرت هذه السياسات عن تدمير مئات المساكن خلال السنوات الماضية، ما فاقم أزمة السكن، والتعليم، والرعاية الصحية. يعيش آلاف الأطفال دون مدارس أو مراكز صحية، في ظل بنية خدماتية مدمرة وحرمان تام من الكهرباء والمياه الآمنة وشبكات الصرف الصحي.
وأكدت منظمة البيدر أن ما تتعرض له هذه التجمعات يشكل عملية تهجير قسري ممنهجة، تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على القوة القائمة بالاحتلال نقل السكان أو تغيير طبيعة الأرض. ومع ذلك، يواصل الاحتلال تنفيذ مخططاته مستغلًا ذرائع أمنية أو بيئية زائفة، لتفريغ المناطق المصنفة (ج) من الفلسطينيين، خاصة تلك الواقعة بين القدس والأغوار.
ويهدف هذا التفريغ إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى مثل "القدس الكبرى" و"عزل الأغوار"، في محاولة لإقامة تواصل استيطاني يفصل شمال الضفة عن جنوبها، ويقوض إمكانيات إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
ورغم فداحة الوضع، يشعر السكان بأنهم تُركوا لمصيرهم، في ظل غياب أي دعم جاد من المؤسسات الفلسطينية، التي تتعامل مع التجمعات البدوية على أنها مؤقتة أو غير منظمة. فلا توجد مشاريع تنموية، ولا موازنات خاصة، ولا دعم قانوني فعّال. وتبقى المبادرات محدودة، فردية أو ممولة دوليًا، لا ترقى لمستوى التهديدات التي تواجه السكان.
ويضيف أحد سكان الخان الأحمر أن الحياة أصبحت لا تطاق: "المستوطنون لا يهاجموننا فقط في الليل، بل في وضح النهار، برفقة جنود مدججين بالسلاح، يطردون أغنامنا من المراعي، ويهددوننا بالحرق أو الاعتقال إن لم نرحل. لا أحد يدافع عنا، والمؤسسات الحقوقية لا تملك إلا التوثيق والبيانات".
ويعيش البدو اليوم حالة من "الحصار المركب"، لا يستطيعون التنقل بحرية، ولا يُسمح لهم ببناء مدارس أو عيادات، ولا يوجد أي أفق اقتصادي. وقد اضطر كثير من الشباب إلى ترك التجمعات، بحثًا عن فرص عمل داخل المدن أو في الداخل الفلسطيني، ما أدى إلى تراجع عدد السكان وتفكيك البنية الاجتماعية لهذه المجتمعات.
ويحذر السكان من أن ما يحدث هو تدمير لبنية حياتهم بأكملها، فالحياة البدوية ليست مجرد خيام بل نمط حياة متكامل، يشكل جزءًا أصيلًا من الهوية الفلسطينية، وتفكيكه يعني محو التاريخ والذاكرة والانتماء.
وشددت منظمة البيدر على أن "الوقت ينفد"، وأن الاحتلال يسابق الزمن لفرض واقع لا يمكن تغييره لاحقًا، في ظل غياب خطة فلسطينية واضحة ذات أبعاد قانونية وإنسانية وميدانية لحماية هذه التجمعات. ودعت إلى تحرك فعلي ينقذ ما تبقى من هذه المجتمعات قبل أن تختفي تمامًا، وتُمحى معها ملامح الهوية البدوية الفلسطينية من الوجود.