شبكة قدس الإخبارية

"الغطرسة الإسرائيلية".. فرصة لنهوض عربي

٢١٣

 

photo_5918051827209849686_y

خاص - شبكة قدس الإخبارية: عاد الخطاب الإسرائيلي ضد العرب والمسلمين كما بدأ، بعد عقود من محاولات تجميله بالخطابات الدبلوماسية والحديث عن "المستقبل المشترك" و"التطبيع"، وغيرها من صياغات جرى تطويرها في مراكز صنع القرار السياسي والدبلوماسي والاستراتيجي في دولة الاحتلال، لإحداث مقاربة تضع "إسرائيل" في قلب المنطقة لكن من خلال العمليات السياسية والصفقات على حساب القضية الفلسطينية، بعيداً عن أصوات المدافع التي بقيت حصراً تصب على الفلسطينيين والقوى المساندة لهم.

جددت دولة الاحتلال إطلاق الخطابات الصهيونية العتيقة المتغلغة في التفكير الجمعي فيها، حول السيطرة على أرض العرب والمسلمين، وإخضاعهم بالقوة العسكرية، وأطلق قادة الاحتلال من كل الأجهزة والمستويات تصريحات كانت اختفت لسنوات تحت ستار التسويات والعمل السياسي التطبيعي، وتوسعت مطامع الاحتلال المعلنة في هذه المرحلة من إخضاع الفلسطينيين تماماً إلى التوسع في جنوب سوريا وجنوب لبنان والتلويح بتصعيد ضد مصر، بالإضافة للتصريحات عن "الزمن الإسرائيلي" الذي يجب أن تدخل جميع المنطقة فيه لتحمي نفسها، كما صرح نتنياهو مراراً، وهو منتفخ بالدعم الأمريكي الذي تضاعف مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

التهديد الإسرائيلي للمنطقة العربية والإسلامية كاملة الذي يصل إلى حدود غير مسبوقة ربما من "الغطرسة"، إلى درجة تقرير مصير دولة مثل سوريا، وتحديد المناطق التي يجب أن ينتشر جيشها فيها وتلك الممنوعة عليه، يحمل تداعيات خطيرة في المستقبل، لما له من إعلان صريح من جانب دولة الاحتلال أنها ستعمل على أحلام الصهيونية القديمة في التوسع إلى حيث أمكن لها التوسع خارج حدود فلسطين المحتلة، ولن تقبل لأي قوة تسعى للاستقلال الاقتصادي والسياسي والتنمية والتحرر من الهيمنة بالبقاء، وأن نيران عدوانها لن تفرق بين أي عربي، وأصبح زمن السعي للتسويات السياسية في سياق المصالح الاستراتيجية القائمة على العلاقات الثنائية مع الأنظمة العربية بعيداً، ويحل محله الإخضاع للتطبيع عبر النار.

على ما في هذه "الغطرسة" الإسرائيلية من مخاطر وتهديدات لكل الشعوب العربية، في المنطقة، إلا أن فيه تجديداً وتأكيداً على فلسفة أن فلسطين هي مركز قضايا الأمة العربية والإسلامية، التي تعاني منذ عقود من الاستعمار ثم الهيمنة على كل المستويات، وسياسات الإفقار وتدمير فرص التنمية الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وغيرها، والديكتاتورية والقمع، وأن بقاء "إسرائيل" فيها هو العامل الأكثر تهديداً للاستقرار ولبقاء الشعوب مهددة حتى في بقائها المادي.

والواقع التاريخي والمنطلقات الأيدلوجية التي تحكم الحركة الصهيونية وأجهزة الاحتلال المختلفة، تقول إن تكريس الوقائع وفرضها على العرب والمسلمين يجري عبر سلسلة من الإجراءات المتتالية، عبر الاحتلال العسكري المباشر بداية، ثم محاولة تعويد الناس على أن الاحتلال باق ولن يغادر، ومع ما يصاحب هذه العملية من محاولات خلق تابع محلي يدير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية المختلفة بالخضوع لسلطة الإسرائيلي، ثم العمل على السيطرة على مزيد من الأراضي ومحاولة طرد أصحابها منها، وفي حال توفرت البنية التحتية والظروف الأمنية المناسبة قد يطمح إلى بناء استيطان دائم.

والشواهد على هذا كثيرة، بعد حرب 1967 تكاثرت المشاريع السياسية ومحاولات التوصل إلى تسوية تتيح انسحاب الاحتلال من الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، إلا أن الاحتلال استمر حتى الآن في الضفة والجولان وبقي لعقود في غزة قبل أن ينسحب منها بعد عمليات المقاومة خلال الانتفاضة، وخرج من سيناء بعد أن ضمن اتفاقاً يخرج مصر من الصراع العربي معها، بما لها من ثقل سياسي واستراتيجي، وفرض على النظام المصري شروطاً تحدد انتشار قواته في سيناء.

هذه المقدمات للتأكيد على أن التهديد الإسرائيلي المتجدد الذي يأخذ شكلاً من "الغطرسة"، يحاول من خلالها نتنياهو استغلال إدارة ترامب، والهشاشة التي تمر بها سوريا بعد سقوط النظام، والأوضاع في لبنان بعد الحرب، مع ما تمر به فلسطين من حرب إبادة وحشية، يلزم من الحركات والأحزاب والمجتمعات العربية والإسلامية أخذه على محمل الجد والانطلاق في مشاريع لمواجهته وكسره لأن قوته تعني كسر أي فرصة لتحرر عربي في العقود المقبلة.

يتعامل الاحتلال مع المناطق الجنوبية من لبنان وسوريا على أنها مجرد "معازل" أمنية، لا حق لأهلها في الحياة فيها كما يشاؤون، بل على مقاس المخططات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، لذلك يسعى لإبقائها تحت القصف والتهديد ومنع الإعمار والتحكم فيها بمختلف الطرق التي يدمج فيها العسكري مع السياسي والخدماتي، لذلك ربما يسعى في المستقبل القريب لمد خط من المواقع العسكرية من جنوب لبنان عبر راشيا إلى مزارع شبعا ثم الجنوب السوري، في مساعيه لمنع هجوم مستقبلي عليه على طريقة "طوفان الأقصى"، وهذا التعامل الإسرائيلي مع هذه المناطق بطريقة العداء الواحدة، ربما يكون فرصة لتجاوز خلافات الماضي التي كللت السنوات الماضية، إلى صيغة من العمل المشترك لمواجهة أطماع الاحتلال.

وهنا يحضر ملف ساخن في الحياة العربية، خاصة في بلاد الشام، وهو قضية "الأقليات" التي يستخدمها الاحتلال لتنفيذ مخططاته الاستعمارية، والواجب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو التداعي العربي والإسلامي عبر المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية لحل القضايا التاريخية وإنهاء ملف المظالم التي يدخل الاحتلال منها إلى زمننا العربي ويحاول اللعب في مستقبلنا لصالح هيمنته.

والواجب الأكبر هو توحد الشعوب خلف فكرة المقاومة بما هي ليست فقط نصرة لفلسطين أو غزة، بل أصبحت دفاعاً عن العواصم العربية ذاتها، ومستقبل كامل الشعوب، إذ سقطت كل محاولات السنين الماضية لتجميل صورة "إسرائيل" وشيطنة الشعب الفلسطيني، وعادت الأمور واضحة كما كانت لعقود من الصراع، إذ أن الاحتلال الذي ارتكب المجازر في مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، هو الآن الذي يسعى للسيطرة على مساحات واسعة من جنوب فلسطين إلى جنوب سوريا.

ومن هذا الواجب يصبح دعم مقاومة الشعب الفلسطيني مصلحة استراتيجية وسياسية متعددة الأبعاد للدول العربية والإسلامية لكسر التغول و"الغطرسة" الإسرائيلية وقد أصبحت كل المناورات ومحاولات عقد التسويات مع الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية لا فائدة منها.

#غزة #لبنان #الاحتلال #سوريا