مع حلول الذكرى السنوية الأولى للسابع من أكتوبر وعملية طوفان الأقصى والذي شهد تصعيدا عسكرياً غير مسبوق حققت فيه حركة حماس انتصارا لامعاً بهجومها المفاجئء على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما أدى إلى مقتل وأسر العديد من الاسرائيلين.
هذا الهجوم أثار ردود فعل دولية متباينة وأدى إلى تغطية إعلامية واسعة النطاق من قبل مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية.
بدأ الهجوم في ساعات الفجر الأولى، حيث استهدفت حماس عدة مواقع عسكرية في جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أُبلغ عن إطلاق أكثر من 5,000 صاروخ في وقت قصير، مما شكل تحديًا كبيرًا لنظام الاحتلال الاسرائيلي المعروف بـ"القبة الحديدية"، ولم يكن طوفان الأقصى هجومًا صاروخيًا فقط، بل تضمن أيضًا عمليات تسلل لمقاومين إلى المناطق الحدودية.
وردًا على الهجوم، قام الاحتلال الاسرائيلي بشن غارات جوية مكثفة على قطاع غزة، مستهدفةً البنية التحتية لحماس ومواقع إطلاق الصواريخ، كما أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حالة الطوارئ وطلب الدعم العسكري من حلفاء بلاده.
الإعلام الغربي والعربي في تغطية أحداث "طوفان الأقصى"
شهدت عملية طوفان الأقصى تغطية إعلامية مكثفة من وسائل الإعلام العالمية والعربية، لكنّ هذه التغطية لم تكن محايدة في كثير من الأحيان، بل تخللتها تناقضات وانحيازات واضحة.
الإعلام الغربي، خصوصًا، كان محل انتقادات بسبب نشره معلومات مضللة أو دعائية بشكل متعمد أو غير متعمد، في حين سعت بعض وسائل الإعلام العربية إلى تقديم وجهة نظر مغايرة.
حيث واجهت شبكة إم إس إن بي سي الأمريكية موجة غضب بعد إيقاف ثلاثة من مقدمي البرامج البارزين، من بينهم الصحفيين أيمن محيي الدين ومهدي حسن وعلي ڤالشي، هذا القرار أثار جدلاً واسعًا، خاصة وأن هؤلاء الصحفيين كانوا يقدّمون تغطية نقدية مختلفة عن الرواية السائدة في وسائل الإعلام الغربية، التي تميل عادة لدعم الجانب الإسرائيلي.
وحاولت الشبكة تبرير الإقالة بأنها "مصادفة"، إلا أن الكثيرين اعتبروها جزءًا من حملة لإسكات الأصوات التي تعرض وجهات نظر مغايرة.
أما في بريطانيا، فقد قامت صحيفة الغارديان بإقالة رسام الكاريكاتير الشهير ستيف بيل بعد رسم كاريكاتير انتقد فيه بنيامين نتنياهو، الكاريكاتير صوّر نتنياهو وهو يحمل مشرطًا ويطالب سكان غزة بالخروج استعدادًا لالتقاطهم، في إشارة إلى الفظائع التي تتعرض لها غزة.
وفي سياق آخر، قدّمت بي بي سي اعتذارًا بعد أن زعمت خطأً أن المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في بريطانيا كانوا مؤيدين لحركة حماس، حيث جاء الاعتذار بعد انتقادات حادة من المتظاهرين والجمهور الذين اعتبروا أن القناة تُروّج للدعاية الإسرائيلية.
الإعلام العربي ودوره في التغطية
على الجانب العربي، كانت قناة الجزيرة من بين أكثر القنوات التي قدّمت تغطية شاملة لأحداث معركة طوفان الأقصى، حيث تمتلك القناة مراسلين في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، مما مكّنها من تقديم بث مباشر على مدار الساعة للأحداث.
وعلى الرغم من اتهامات بعض الأطراف بانحياز الجزيرة للفلسطينيين، فإنها نجحت في تقديم صورة مختلفة عن تلك التي تروّجها وسائل الإعلام الغربية.
في المقابل، ظهرت قناة العربية بلهجة مغايرة قليلًا عن تغطيتها السابقة، حيث استخدمت مصطلحات مثل "الضحايا" بدلًا من "الشهداء"، محاولة تبني موقف أكثر حيادية مقارنةً بسنوات سابقة.
وفي السياق كان لأزمة بي بي سي في تغطية أحداث غزة تأثير كبير على فريقها الصحفي، حيث شهدت القناة سلسلة من الاستقالات، كان من أبرز هذه الاستقالات الصحفي التونسي بسام بونني، الذي أعلن استقالته احتجاجًا على التغطية المنحازة للقناة، بالإضافة إلى الصحفي اللبناني إبراهيم شمص الذي اتخذ نفس الخطوة لنفس الأسباب.
وأظهرت تغطية وسائل الإعلام الغربية والعربية لمعركة "طوفان الأقصى" تفاوتًا كبيرًا في تقديم المعلومات والتحليل، بين تحيّز واضح لإسرائيل من قبل بعض الوسائل الغربية، وتغطية مؤيدة للفلسطينيين من وسائل إعلام عربية. ومع ذلك، يبقى الإعلام ساحة للصراع على الروايات والتأثير على الرأي العام الدولي.
التضييق على الإعلام المستقل
ومع تصاعد الأحداث في قطاع غزة وخاصة معركة "طوفان الأقصى"، تزايدت القيود المفروضة على الإعلام الفلسطيني وعلى منصات تسعى لتقديم رواية مغايرة عن الروايات الغربية والإسرائيلية السائدة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك حظر شبكة القدس الإخبارية من قبل شركة "ميتا" التي تمتلك فيسبوك، حيث كانت الشبكة توصل تقاريرها لأكثر من 10 ملايين متابع حول العالم.
هذا الحظر يأتي ضمن سلسلة تضييقات مستمرة تستهدف المحتوى الفلسطيني وتقييد حرية التعبير بحجة "مخالفة شروط الاستخدام".
وقد أكدت "شبكة قدس" في بيانها أن هذا الحظر يمثل انتهاكًا واضحًا لحرية الرأي.
في ذات السياق، واجهت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، تضييقات مماثلة على فيسبوك وإنستغرام، مما دفعها للانتقال إلى منصة "تيليجرام" التي توفر هامش حرية أكبر.
من جهته قال الناطق باسم المكتب الاعلامي الحكومي أ. اسماعيل الثوابته:" فيما يتعلق بالتغطية الصحفية والإعلامية، نبدأ بتقديم جزيل الشكر والتقدير للصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين الأبطال، الذين تمكنوا من نقل الصورة الحقيقية لمظلومي شعبنا الفلسطيني، هؤلاء الأبطال استطاعوا كسر السردية الكاذبة للإعلام الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم"، مشيرا إلى أنه في حين كانت الدول تقف تاريخياً إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، نجح الصحفيون والإعلاميون الفلسطينيون، في ظل حرب الإبادة الجماعية، في نقل هذه الصورة إلى العالم، مما أدى إلى اصطفاف الشعوب إلى جانب القضية الفلسطينية.
وأضاف في حديث خاص لـ "شبكة قدس":" هذا النجاح يُعَدُّ دليلاً على قوة الإعلام الفلسطيني في نقل رسالته بوضوح، ونتيجة لهذا النجاح، سعى جيش الاحتلال الإسرائيلي للانتقام من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين، فقام باغتيال 174 صحفيًا وإعلاميًا حتى هذه اللحظة، وذلك بدم بارد وبشكل وحشي" موضحاً أن هدف الاحتلال من وراء ذلك هو تخويف الصحفيين الفلسطينيين لثنيهم عن تقديم رسالتهم الإعلامية، لكن هؤلاء الإعلاميين الشجعان تحدوا الاحتلال، وواصلوا التغطية الإعلامية بكل قوة وانتماء للقضية الفلسطينية والإنسانية.
وفي حديثه عن الصحافة المحلية ودورها في تغطية أحداث السابع من أكتوبر قال: " الصحافة المحلية لها دور كبير في تصدير الرواية الفلسطينية، إذ كانت على درجة عالية من المسؤولية في نقل مظلومية شعبنا الفلسطيني إلى العالم، وتمكنت من تحريك الشعوب في مختلف أنحاء العالم، خاصة طلبة الجامعات في أوروبا وأمريكا الذين خرجوا بالآلاف دعماً لشعبنا، وللتأكيد على ضرورة إنهاء هذا الاحتلال".
وتابع:" أما فيما يتعلق بالصحافة الدولية، فقد انقسمت إلى قسمين: قسم مناصر للقضية الفلسطينية ويعمل بموضوعية ومصداقية، وينقل الأخبار والتقارير بشفافية، وقسم آخر متماهٍ مع الاحتلال الإسرائيلي، يسير في فلكه دون البحث عن الحقيقة، وإنما يسعى وراء المال وتحقيق أجندات معينة،هذه الوسائل الإعلامية فقدت مصداقيتها، ونحن ندين التغطية غير الموضوعية للكثير منها".
وحمل الثوابته الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن الجرائم المتواصلة بحق الإعلاميين، مطالبا الاتحادات الصحفية الدولية بالوقوف إلى جانب الصحفي الفلسطيني، الذي يعرض حياته للخطر، ويُصاب أو يُعتقل في سجون الاحتلال، كما طالب بالإفراج عنهم جميعًا، وضمان حمايتهم، ووقف حرب الإبادة الجماعية.