في مربع أمني ساخن، نفذت المقاومة بحرفية عالية عملية تُؤخذ في سياق العمليات النوعية على الصعيد الاستراتيجي، إذ تمكنت المقاومة من اختراع الاستنفار الأمني لجيش الاحتلال، حيثُ اعتبرت المركبات المفخخة وإدخالها لنواة العمل العسكري لجيش الاحتلال في جنوب الضفة الغربية بمثابة ضربة قاصمة لأمن الاحتلال، ويمكن اعتبار أنّ كرة الثلج الخاصة بظاهرة المقاومة تتدحرج بشكلٍ دقيق ومخطط، ومتناغم مع أهداف المقاومة، وبالعودة إلى التاريخ يمكن اعتبار أنّ عملية الخليل الأخيرة في مربع "غوش عتصيون" تُثبت من جديد أنّ القاسم المشترك بينها وبين العمليات السابقة هو فشل الاحتلال الذريع في منع ظاهرة المقاومة.
بشكل تفصيلي، حول مربع "غوش عتصيون"، فإن المقاومة تمكنت من الوصول إلى محطة الوقود التي توجد على مدخل المستوطنة، هذا اولاً، أما ثانياً، فبالقرب من هذه المحطة وعلى بعد أمتار قليلة يوجد دوار "غوش عتصيون" الذي شهد عدة عمليات نوعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر عملية خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014، ويُعتبر هذا الدوار بمثابة دوار "الرعب"، إذ حوله ينتشر الجنود بشكلٍ مستمر سواء في حالة حرب أو في عدمها، بالإضافة إلى انتشار النقاط العسكرية، وأحد تلك النقاط على مدخل محطة الوقود تحديداً، بالإضافة إلى انتشار قوات الاحتلال ودوريات الجيش بشكلٍ مكثف على مدار الساعة في محيط محطة الوقود.
أما ثالثاُ، ليس غريباً أنّ يكون مسؤول لواء الجنوب في جيش الاحتلال، والذي أصيب في العملية، في المكان، حيثُ على بعد أقل من كيلو متر من محطة الوقود يوجد معسكر تابع لجيش الاحتلال، ويُعرف بمعسكر "غوش عتصيون"، وفي داخل هذا المعسكر يوجد معتقل "غوش عتصيون"، والذي يقبع فيه الكثير من الأسرى الفلسطينيين، ويعانون منذ السابع من أكتوبر من ظروف سيئة بحسب منظمة "بتسليم"، وكنت قد مكثت في هذا المعتقل لمدة ثمانية أيام في ظروف صعبة معقدة عام 2009، ويُضاف إلى ما سبق، أنَّ هذا المعسكر يحتوي على مركز تحقيق تابع للشاباك الإسرائيلي، بالإضافة إلى وجود مركز رئيسي تابع لشرطة الاحتلال، والأهم يُعتبر هذا المعسكر، بمثابة المعسكر الرئيسي لمجمل عمليات جيش الاحتلال في جنوب الضفة الغربية.
في ذات السياق، لا تبعد مستوطنة "كرمي تسور" سوى أقل من 10 دقائق عن مكان تنفيذ عملية محطة الوقود، وفي سياق متصل يمكن اعتبار مستوطنة "كرمي تسور" من المستوطنات الصغيرة نسبياً، ولكن تشهد إجراءات أمنية معقدة، وعلى سبيل المثال يوجد على مدخلها برج عسكري تابع لجيش الاحتلال، يتواجد فيه الجنود على مدار الساعة، ومن جهة أخرى شهدت هذه المستوطنة عمليات اشتباك بين المقاومة، وجنود جيش الاحتلال ما بعد السابع من أكتوبر، وإذا جاز لي هنا من جديد، وبصفتي أسكن في بلدة بيت أمر، فإن مستوطنة "كرمي تسور" تقع إلى الجنوب من حي الظهر في في بلدة بيت أمر، الملاصق لهذه المستوطنة وقد شهد إجراءات أمنية صعبة على سكان هذا الحي ما بعد السابع من أكتوبر، وقد ارتقى شهيدان خلال هذه الإجراءات، وهم الشهيد عزيز اخليل، والشهيد إبراهيم الخطيب، بالإضافة إلى العديد من الإصابات.
إذاً، هي عملية نوعية متناغمة مع الهدف، وأكثر في أسلوب التنفيذ، وفي سياق متصل اعتبر الاعلام العبري، أنّ عملية "غوش عتصيون" هي عملية من أيام الانتفاضة الثانية، حيثُ كان أسلوب عمليات التفجير بمثابة كابوس يؤرق المؤسسة الأمنية والعسكرية للكيان، ويقضُّ مضاجع الاحتلال، وتُعتبر مدينة الخليل بمثابة معقل للعميات الاستشهادية أبان الانتفاضة الثانية.
ومن جديد هذه ليست العملية الأولى في مجمع "غوش عتصيون"، وعند الحديث عن بلدة بيت أمر والتي لها تاريخ طويل في الصراع مع الاحتلال منذ عام 1948، يمكن هنا ذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر عملية الشهيدين القساميين "محمد ومحمود صبارنه"، إذ في الرابع والعشرين من كانون الثاني/ يناير لعام 2008، تمكن الشهيدان من الدخول لمستوطنة "غوش عتصيون"، ونفذا عملية نوعية، أسفرت بحسب الإعلام العبري عن إصابة ستة ضباط من جيش الاحتلال، أما عن مستوطنة "كرمي تسور"، يمكن ذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، عملية الشهيد القسامي "أحمد المسالمة"، حيثُ في الثامن من حزيران/يوليو لعام 2002، تمكن مسالمة من اقتحام مستوطنة "كرمي تسور"، بعد أنّ تخفى بزي جندي عسكري كما الشهيدين صبارنه، وقام بتنفيذ عملية نوعية، أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين، وجندي صهيوني.
أخيراً وليس أخراً، تُعتبر عملية مجمع "غوش عتصيون" بمثابة صفعة لما تُسمى دولة الاحتلال، والتي وصمت نفسها بأنها دولة أمن، وبالفعل تمكنت المقاومة من إعادة جيش الاحتلال إلى كابوس العمليات الاستشهادية من جديد، وأكثر قامت المقاومة بفتح البوابة التي يعتقد الاحتلال أنه تمكن من إغلاقها، وبل أكدت المقاومة أنّ السيناريو الذي يُخيف الاحتلال بإمكانية اقتحام مستوطنات الضفة الغربية على غرار ما جرى في مستوطنات ما تُعرف بغلاف غزة أصبح قابلا للتحقيق، وفي هذا السياق تُعتبر عملية مجمع "غوش عتصيون" ضربة نوعية لأنها تمكنت من نقل الصراع إلى مستوطنات الضفة الغربية، والقصد إلى حضن الاحتلال، وليس داخل المدن والمخيمات الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى تأكيد نهج وحدة الساحات.
وقبل الختام، يمكن بشكلٍ سريع التعريج على عملية الطريق الالتفافي، التي قامت بها المقاومة بالقرب من معبر "ترقوميا"، إذ لم تخرج هذه العملية من عباءة العمليات النوعية، حيثُ جرت هذه العملية في ذروة الاستنفار العسكري في الخليل، وأكثر جرت بالقرب من معبر "ترقوميا"، وهو معبر أمني تجاري، ويُعتبر من المعابر الرئيسية، والآمنة.