كشف الهجوم الذي نفذه الجندي المصري البطل محمد صلاح عورات الجيش الاسرائيلي، كما هز كرامة الجيش الذي ينفذ مناورات "اللكمة القاضية" التي تحاكي حربا متعددة الجبهات، تشمل جبهة لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية، وأدى فعله البطولي إلى تعرية جاهزية وحداته البرية.
فلأزمان طوال كانت أعناق ساسة إسرائيل تتطاول زهواً بـ “الجيش الذي لا يقهر”، فهم يرون في القوات البرية، اللبنة الأساسية في بناء الجيش الإسرائيلي، ذلك أنها ولدت من رحم الإرهاب الصهيوني، دفاعاً عن محطاته الاستيطانية، التي انتشرت إلى جانب الكيبوتسات، هنا وهناك على أرض فلسطين قبيل عام 1948، ومن ثم تطورت هذه القوات، لتغدو أداة المهمات الخاصة، والمتميزة واتخذت ألويتها مسميات معينةً، وأحيط منتسبوها بهالات الاقتدار والعمل الصعب.
عملية العوجة أظهرت سلسلة من الإخفاقات الإسرائيلية أمام جندي مصري واحد كانت عدته وعتاده حسب الرواية الإسرائيلية، سلاح كلاشنكوف وست باغات رصاص، وسكين كوماندو ومصحف.
بعد هذه العملية عادت اخفاقات سلاح البر الاسرائيلي للواجهة وأضحى مجالاً للتشكيك وتبادل الاتهامات بين قادة المؤسسة العسكرية، وتعدد التحديات التي يواجها الكيان الصهيوني في ظل تحولات تشهدها البيئة السياسية المحيطة، وذات تداعيات خطيرة على الأمن القومي الإسرائيلي.
بحسب المحللون العسكريون الإسرائيليون تركزت إخفاقات الجيش الاسرائيلي بمجموعة من النقاط أبرزها:
1. فشل الرقابة العسكرية المنتشرة على طول الحدود، وإخفاق نظام المراقبة الإلكتروني والاستشعار عن بُعد.
2. مستوى العمل الاستخباراتي في هذه المنطقة منقوص، وهذا مرتبط بسُلم الأولويات من حيث رصد الموارد.
3. فشل عملياتي في إدارة القوات الإسرائيلية في الميدان.
4. فشل المروحيات الحربية الإسرائيلية في الوصول في الوقت المناسب.
5. استعجال قائد اللواء في الاشتباك كان السبب في مقتل الجندي الثالث.
6. الجندي المصري كان لديه وقت كافي ليعد نقطة حماية وكمين من الحجارة على التلة القريبة من موقع مقتل الجندي والمجندة.
وصف، المحلل العسكري في صحيفة (هاآرتس)؛ “عاموس هرئيل”، في تقرير له، مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين بنيران شرطي مصري، صباح السبت، بأنه: “إخفاق” كبير للجيش الإسرائيلي، يستوجب تحقيق عسكري معمق، “من أجل الكشف عن الخلل”؛ الذي مكّن جنديًا مصريًا من: “التسّلل إلى الأراضي الإسرائيلية، وكذلك من أجل إعادة النظر في المفهوم الدفاعي على طول الحدود، التي وضعها الجيش الإسرائيلي في أدنى سُلم أولوياته بسبب الهدوء النسّبي فيها.
من جانبه؛ أشار المحلل العسكري في صحيفة (يديعوت أحرونوت)؛ “يوسي يهوشواع”، إلى أن هذا ثاني تسّلل للحدود الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وذلك بعد أن تسّلل شخص من “لبنان” لمسّافة: 70 كيلومترًا تقريبًا، في آذار/مارس الماضي، وتمكن من الوصول إلى مفترق “مجدو”، ووضع عبوة ناسّفة، تسّبب انفجارها بإصابة خطيرة لمواطن إسرائيلي. وقتل جنود إسرائيليون؛ المتسّلل عند الحدود مع “لبنان”، لدى عودته إليها.
واعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي؛ أن: “المنظومة الدفاعية الإسرائيلية انهارت، وهذا حدث يفترض أن يُذكّر قيادة الجيش الإسرائيلي، وكذلك وزير الدفاع؛ يوآف غالانت، ورئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، الذين يتحدثون كثيرًا عن مهاجمة إيران، بأن يبحثوا قبل ذلك في جهوزية قواتهم البرية”.
ولفت “يهوشواع” إلى أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق؛ “أفيف كوخافي”: “بذل جهودًا كثيرة في تطوير سلاحي الجو والاستخبارات، ويتعّين على رئيس أركان الجيش الحالي؛ هيرتسي هليفي، أن يبذل جهدًا من أجل إغلاق الفجوة في سلاح المشاة الضعيف”.
لماذا تعد القوات البرية نقطة ضعف أساسية في الأداء العسكري الإسرائيلي؟
الخطط متعددة السنوات “الخطط الأركانية” في العقد الأخير تمحورت حول أهمية وضرورة تطوير القوات العسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بقواتها البرية في إطار الدروس والعبر التي أسفرت عنها حرب لبنان 2006، وحروب غزة ( 2008 – 2012 – 2014 )، وانعكست في تقرير لجنة فينوغراد وتقارير مراقب الدولة عن أوجه التقصير التي كشفت عنه هذه الحروب، وخصوصاً في مجال عمل القوات البرية وأدائها، وأيضاً في ضوء الدروس والخبرات المكتسبة من الحروب الإقليمية الدائرة في العراق وأفغانستان، وما حدث من تطويرات تقنية متسارعة في أنظمة التسليح والمعدات الحربية على الصعيد العالمي .
يكثر الحديث في الأوساط العسكرية الإسرائيلية حول اعتبار ان القوات البرية نقطة ضعف أساسية في الأداء العسكري الإسرائيلي للأسباب التالية:
1- التحولات في نمط الحروب والتهديدات
تعد أزمة سلاح البر في الاستراتيجية العسكرية، ناتجة من التحولات والتغيرات في نمط الحروب الجديدة، ولاسيما في ظل النقاش في شأن إعادة الاعتبار إلى القوات البرية، وفق الرؤية الأمريكية التي تقول، بحسب تجربة أفغانستان، هي عدم إمكان حسم المواجهة أو الحرب من دون تدخل القوات البرية وتحديثها في المواجهات العسكرية، بعدما تغيرت ميادين القتال، وتمكن العدو الحالي، حركة حماس وحزب الله من إبطال كثير من فاعلية الجيوش البرية الإسرائيلية بفعل توزيع نقاط الانتشار لقواتهما على مساحة واسعة من أرض لبنان وغزة، إذ لم تعد هذه الجيوش قادرةً على توغل بري يستطيع شل قدرة العدو، أو إبطال قدرته الصاروخية، ومنع استمرار المواجهة وضرب العمق الإسرائيلي.
ظهر لافتاً، وجود قفزات متناقضة في الخطط والمفاهيم العسكرية، مرتبطة بالتقدير الإسرائيلي بالتحولات على الخارطة التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل، بالماضي كان يعتبر الخطر الأساسي هي الجيوش النظامية لذلك تم التركيز على سلاح المشاة وبعد ذلك تم إهماله عندما توصلت إسرائيل إلى اتفاقات سلام مع مصر وتفكك الجيش السوري وتراجع التهديد العراقي، وأصبحت إسرائيل تواجه تنظيمات من غير الدول بالإضافة إلى ايران التي لا تشارك إسرائيل بحدودها بالتالي خطر العمل البري تقلص بسبب التحول على خارطة التهديدات من نظامية إلى تنظيمات وتهديدات غير تقليدية مثل السلاح النووي والسلاح السيبراني وسلاح الصواريخ التي لا يمكن مواجهتها بسلاح المشاة.
2- قلة الاعتماد على القوات البرية
قلة الاعتماد على القوات البرية أدى إلى ظهورها عند الحاجة إليها في أرض المعركة، بمظهر الضعيف وقلة الخبرة. كما حصل في حرب تموز 2006 ضد لبنان. فوجدنا القوى البرية قليلة الخبرة في التعامل مع المعارك وضعيفةً في الأداء. فلم تستطع القوات السيطرة على قرية واحدة خلال ثلاث وثلاثين يوماً. أيضا خلال الحروب مع غزة وجدنا قوات الاحتلال عاجزةً عن التوغل البري. كما تكرر فشل القوات بالتعامل مع العمليات الفردية كعملية الجندي المصري، إذن نحن فعلاً أمام جيش إسرائيلي ضعيف على المستوى البري. وهذه نقطة ضعف كبيرة لهذا الجيش كون ما من جيش في العالم يستطيع الانتصار فقط من الجو.
إسحاق بريك مفوض شكاوى الجنود نتاج عدة تقارير أصدرها بعد حربي 2006 في لبنان و 2014 في غزة بالإضافة إلى نتاج جهده في التفتيش على الجيش، وصل لقناعة بأن سلاح المشاة بكل ألويته المختلفة قد أهمل بسبب ما اعتبر بالجيش الإسرائيلي تغير على طبيعة المعركة، وأن المعركة تعتمد على السلاح الدقيق والحروب السيبرانية، هذا التوجه جعل الجيش يقلص من اهتمامه بتطوير سلاح المشاة، ويرى ان ذلك يشكل خلل استراتيجي.
3- الارتباك وسوء التقدير
الإسرائيليون الآن يعتقدون أن المنطقة عموماً والجبهات المتوترة خصوصاً في غزة ولبنان وسوريا وايران، قد تحمل متغيرات جيوسياسية مفاجئةً لصانع القرار العسكري الإسرائيلي، مما يجعل الخطط العسكرية الإسرائيلية في حالة تبدل وتغير على مدار الساعة، هذا يجعلها تدخل في حالة سوء التقدير تارةً والارتباك تارةً أخرى، وبالتالي يأتي التطبيق ترجمةً حقيقيةً لسوء التقدير، لأن ما يسبق الترجمة الميدانية للسلوك العسكري هو وضع الخطة، وإذا شاب هذه الخطة حالة من الارتباك أو سوء التقدير بالضرورة ينجم عنها إخفاق عسكري وفشل عملياتي، وهذا ما تم ملاحظته في عملية العوجة وفي حروب غزة الأخيرة 2008، 2012، 2014، فضلاً عن العمليات العسكرية الخاطفة المسماة المعركة بين الحروب في لبنان وسوريا والعراق، نتيجةً لاندماج جملة من سوء التقدير والارتباك والتغيرات الجيوسياسية.
حالة الارتباك في اتخاذ القرارات الأمنية وتعدد الفشل الميداني للقوات على الارض، هي ناتجة من تعود الجيش الإسرائيلي على الانتصارات الخاطفة والحروب السريعة التي يستطيع المجتمع تقبلها وتحملها، لكن الآن في ظل واقع أمني وسياسي واقتصادي معقد وتركيبة ديموغرافية موجودة، إسرائيل لا تستطيع احتمال حروب طويلة
بالتالي الجيش الإسرائيلي لا يمتلك رؤيةً أمنيةً واضحةً، لأنه ليس لديه الاستعداد بالتضحية بعدد كبير من الجنود، لان ذلك سيؤدي لردة فعل عكسية سلبية في الداخل الإسرائيلي، إسرائيل لا تريد حرب تكلفها عدد قتلى كبير، حتى لو حققت فيها انتصار لأن لذلك انعكاس سلبي على حياتها وسكانها وعلى قدرتها على الاحتمال، الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير جاهزة لاحتمال مثل هذا الموضوع.
4- التطورات السيكولوجية لدى العامل البشري
طبيعة التطورات السيكولوجية لدى العامل البشري عند العدو وميله إلى الدعة والراحة وعدم الاستعداد لتحمل الأكلاف البشرية للمعارك، الذي نتج عنه الميل نحو التجنيد والعمل في صنوف القتال التكنلوجية 8200، 504، 9900، أكثر من الصنوف التي تشتبك مع العدو في قتال قريب.
في المقابل الأهل كان لهم دور في تراجع العقيدة القتالية لدى أبنائهم، هذا الأمر ساهم في أن الكثير من الإسرائيليين يفضلون الذهاب للوحدات القتالية التكنولوجية والسايبر فيما الوحدات البرية نسبة المنخرطين فيها قليلة جداً، وأن من يذهب للوحدات البرية هم الفئة الأقل جودة في المجتمع لأنهم لا يجدون فرصةً لهم في وحدات التكنولوجية والسايبر، فكل مقعد بوحدة السايبر يتقدم له ثمانية من الجنود، أما كل مقعد فارغ بالوحدات البرية والمدرعات يتقدم له (نصف) اقل من واحد لكل مقعدين يتقدم واحد فقط.
هناك شعور بالملل من جانب الشبان الإسرائيليين الذين بمجملهم هم من الغربيين الذين يريدون نمط الحياة الغربية والعيش بحرية وانفتاح، ويشاهدون التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي من فساد سياسي وامني واقتصادي، ويتساءلون إلى متى سيستمر القتال، وأن كيانهم لم يستطع الحصول على الشرعية وهي مستمرة بهذا الوضع، هذا الأمر ساهم بشكل أساسي بعدم رغبة المتجند بتقديم نفسه في سبيل الوطن في ظل التناقضات الداخلية الموجودة، عن هذه القضية قال إلى يشاي في كتاب إسرائيل إلى أين : ان المنتمين لإسرائيل فقط هم 25% من السكان و 75% لا ينتمون لها.
خلاصة القول، كل المؤشرات تؤكد ان الجندي المصري محمد صلاح، انطلق من مشاعرٍ وطنيّة، وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني، ما قام به هذا الجنديّ الشّهيد يؤكد اليوم ان اتّفاقات التطبيع والتعاون مع الاحتلال، لن تُوفّر لهذا الكيان الأمن، ولا الاستقرار، ولن تخدع المُواطن المصري والعربي وتُغيّر قناعاته.
كما تؤكد هذه العملية وتداعياتها ونتائجها، ان الأداء الفاشل للقوات البرية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وضع يد الإسرائيليين على جرح نازف لهم، ووضعوا خطط وبرامج عسكريةً متعددةً، لكن لم تخرج حتى الآن نتائج إيجابية مشجعة تجعل الجيش الإسرائيلي قادراً على الاعتماد على القوات البرية.
وأثبت عملية العوجة ان الواقع العملياتي للجيش الإسرائيلي، وجود العديد من الثغرات والفجوات في عملية التعلم والاستجواب واستخلاص الدروس وتطبيقها، هذه الفجوات لدى العدو ليست موجودةً على المستوى الاستراتيجي فقط، ولكن أيضاً في العمليات التكتيكية، وفي كثير من الحالات أدت المفاجأة التكتيكية والاستراتيجية إلى ضرورة إيجاد حلول فورية أثناء القتال عجزت القوات الإسرائيلية على التعامل معها ميدانياً.