رام الله المحتلة - خاص شبكة قُدس: "السلام الاقتصادي"؛ هو المشروع الذي تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول العربية بقوة على طاولة السلطة الفلسطينية كخيار آخر ووحيد في ظل انسداد الأفق للتوصل إلى حل سياسي بسبب المتغيرات على الأرض والتي تعيق أي إمكانية لتطبيق الاتفاقيات بين منظمة التحرير والاحتلال، لكن الرفض من طرف السلطة هو سيدّ الموقف، على الأقل هكذا يصرّح رئيسها ومستشاروه والمسؤولون الكبار فيها.
لكن ليس ببعيد عن مقر المقاطعة في رام الله، والذي منه تخرج التصريحات والمواقف الرافضة لمشروع "السلام الاقتصادي"، يقع مقر مؤسسة "بورتلاند ترست"، والتي تذكر في تعريفها لنفسها عبر موقعها الإلكتروني بأنها تسعى لتحقيق "السلام والاستقرار بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال التنمية الاقتصادية". وبحسب الموقع، فإن لها ثلاثة مكاتب: الأول في لندن، والثاني في تل أبيب.
وبالعودة إلى افتتاح المكتب في رام الله، فقد أجريت احتفالية خاصة في هذا الخصوص بحضور محمد مصطفى، المستشار الاقتصادي للرئيس محمود عباس ومدير عام صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي قال حينها إن السلطة ستدعم أية مبادرة دولية للارتقاء بالقطاع الخاص والاقتصاد الفلسطيني، الذي هو أشدّ ما يكون بحاجة إلى الدعم الدولي في ظل الظروف العصيبة الراهنة، وقد وصف حدث افتتاح المكتب بالهام.
وبحسب خطة نشرتها وزارة التعاون الإقليمي في حكومة الاحتلال عام 2015، واطلعت عليها "شبكة قدس"، فإن مؤسسة "بورتلاند ترست" لها مساهمة في إعداد وصياغة الخطة الحكومية الإسرائيلية، والتي تهدف إلى زيادة التواصل بين رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف "تحقيق الأمن والاستقرار والسلام". وتعرف الخطة الإسرائيلية، المؤسسة، بأنها "مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال التنمية الاقتصادية".
الخطة الحكومية الإسرائيلية اقتبست حديثا للمدير التنفيذي لمكتب تل أبيب في مؤسسة "بورتلاند ترست"، "يشاي سوريك" في عام 2015، يقول فيه: "نحن نعمل بالتعاون والتنسيق مع مكتب رام الله، ونحاول نقل الأمور بطريقة ذكية، بين حاجة فلسطينية وكيان إسرائيلي قادر على توفير المعرفة والإرشاد، والتعاون مرتبط بشكل كبير بشخصية كامل الحسيني الرئيس التنفيذي للمكتب في رام الله، رجل رائع يقوم بعمل رائع، ونحن نشترك في نهج عملي، ونحاول الابتعاد عن القضية السياسية".
لكن "بورتلاند ترست" ليست وحيدة في مجال تعزيز الاقتصاد بهدف "تحقيق السلام وضمان الاستقرار"، فـ"غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية الفلسطينية" هي إحدى الهيئات التي تربطها علاقات وثيقة بالمؤسسة، وقد تأسست عام 2008 وتعمل على تعزيز الأعمال التجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويصل ذلك حد الزيارات والاجتماعات (هناك أماكن محددة للاجتماع من بينها فندق ايفرست في بيت جالا، وفندق الأمريكان كونولي بالقدس) والتواصل والمناسبات المشتركة. لكن الهدف النهائي للغرفة كما يعبر عنه مديرها هو "الاستثمار بالعقل الفلسطيني لصالح إسرائيل".
وبرعاية "بورتلاند ترست" ووزارة التعاون الإقليمي لدى الاحتلال؛ يتبين من المعلومات التي اطلعت عليها "شبكة قدس"، أن هناك مجموعة من الشركات والهيئات الفلسطينية التي يمكن لرجال الأعمال الإسرائيليين التوجه لها من أجل بناء علاقات اقتصادية وطيدة بسهولة، من بينها مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" والذي تأسس في عام 1998 ويعرّف نفسه بأنه مؤسسة غير ربحية قائمة على أساس العضوية تتولى قيادة مسيرة تنمية الصادرات الوطنية والمساهمة بفاعلية في تحقيق تنمية مستدامة للاقتصاد الوطني.
"بورتلاند ترست" والسلطة.. "سلام مع السلام الاقتصادي"
يتضح في تقرير اطلعت عليه "شبكة قدس" وكانت قد نشرته "بورتلاند ترست" وعنونته بـ "ما بعد الصراع.. تأثير الاقتصاد على السلام الإسرائيلي الفلسطيني"، أنها تدرس الأسس الاقتصادية لـ"السلام" بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين، مع التركيز بشكل خاص على دور القطاع الخاص وتقدير التأثير الكمي لـ"السلام" على الاقتصاد.
ورغم أن المؤسسة تعرّف نفسها كراعية لفكرة "السلام الاقتصادي"، ووجود تقارير وخطط حكومية إسرائيلية تصنفها كشريك ومساهم في تكريس الفكرة، إلا أن العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمؤسسة تبدو وثيقة، على الأقل من خلال ما وثقته "شبكة قدس" لعدة فعاليات واجتماعيات شاركت فيها "بورتلاند ترست".
ففي 15 مايو الماضي، شارك محافظ سلطة النقد فراس ملحم نيابة عن رئيس الوزراء محمد اشتية، في افتتاح مكتب لبنك الاستثمار الأوروبي وتوقيع اتفاقية قرض بقيمة 192 مليون دولار. وعقد بنك الاستثمار الأوروبي بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية حلقة نقاش بعنوان "الاقتصاد الحقيقي والقطاع المالي: المعوقات والفرص"، بمشاركة وزير الاقتصاد خالد العسيلي، وهاشم الشوا رئيس مجلس إدارة بنك فلسطين، وسمير حليلة رئيس مجلس إدارة "بورتلاند ترست" والرئيس التنفيذي لمالشات.
ويتضح أيضا، أن لـ"بورتلاند ترست" علاقة مع صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يديره مستشار الرئيس محمد مصطفى، حيث تزعم المؤسسة أنها أطلقت تسهيلات بملايين الدولارات كقروض للفلسطينيين بالشراكة مع الصندوق.
وفي شباط الماضي، بحثت رئيس سلطة جودة البيئة نسرين التميمي، مع الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بورتلاند ترست" في بريطانيا بارون فرانكل والوفد المرافق، آفاق التعاون المشترك وتعزيز العمل. بينما شدد فرانكل على أهمية تعزيز آفاق الشراكة والتعاون بين المؤسسة وسلطة جودة البيئة، لما له من دور في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عن الاجتماع.
وحاولت "شبكة قدس"، الحصول على تعقيب من حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي "BDS"، والتي أبلغتنا أنها بدأت بمتابعة القضية، كما حاولت الشبكة الحصول على رد من رئيس مجلس إدارة بورتلاند ترست في رام الله، سمير حليلة، لكنه لم يرد على اتصالها، فيما يبقى حق الرد محفوظا في أي وقت لاحق.