من الواضح أن دولة الاحتلال تريد السلطة الوطنية الفلسطينية لتنفيذ بعض الوظائف المحددة وفي مقدمتها تنفيذ التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي دون تمكينها من أن تتحول الى دولة ذات سيادة.
تقوم حكومة اليمين المتطرف برئاسة بينت بمسابقة الزمن لشطب القضايا الكبرى الخاصة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأمر الذي سيقوض بالضرورة أية إمكانيات لما يسمى بحل الدولتين أو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
إن تكثيف الاستيطان بالضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتهويد وأسرلة القدس والاستمرار في عزل وحصار قطاع غزة وممارسات أشكال من التمييز العنصري الأبارتهايد بحق جماهير شعبنا في مناطق 1948 يؤكد على الطبيعة الاستعمارية والكولونيالية لدولة الاحتلال وعدم إقرارها بمبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ان حكومة بينت لا تؤمن بالتسوية أو المفاوضات حتى لو كانت تحت الرعاية الامريكية وهي تمارس سياسة السلام الاقتصادي وإجراءات بناء الثقة بدلًا من الاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني وتنفيذ حقوقه الثابتة والمشروعة المسنودة بالقانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان.
لقد قررت مؤسسات الشعب الفلسطيني سواءً الناتجة عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي أو اجتماع الأمناء العامين الذي عقد في 3/سبتمبر 2020 لتنفيذ سلسلة من القرارات الرامية للخروج من مربع اتفاق أوسلو والانتقال إلى مرحلة سياسية كفاحية جديدة.
إن القرارات المتخذة كانت تتضمن تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف العمل بالتنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي وتعزيز حملة المقاطعة وتفعيل ملفات بخصوص الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية وتثبيت عضوية دولة فلسطين في الهيئات والمرافق الدولية الى جانب تشكيل هيئة وطنية لقيادة المقاومة الشعبية وإدارة دفة الصراع الميداني مع دولة الاحتلال.
لم يتم تنفيذ أية من هذه القرارات التي عاد التأكيد عليها اجتماع المجلس المركزي الأخير الذي عقد في فبراير من هذا العام.
إن مواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني تتطلب أيضًا ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.
إن أي نظرة سريعة لطبيعة المشهد السياسي لمؤسسات النظام السياسي الفلسطيني تشير الى حالة من الضعف والترهل وغياب المأسسة والوحدة والنزوع نحو إدارة دفة الأمور بطرق ذاتية وفئوية الأمر الذي لا يساهم في تمكين الأداة الناظمة والناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني.
زاد الحديث مؤخرًا عن مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس كما زادت التكهنات والتحليلات بخصوصه خاصةً أنه لا يوجد نائبًا له وانه متقدم بالسن وخاصةً أنه لا يوجد بنية وحيدة للنظام السياسي الفلسطيني بل يوجد بنيتين واحدة هي منظمة التحرير بهيئاتها ومؤسساتها والثانية هي السلطة الفلسطينية.
وأصبح من غير الواضح أية مرجعية قانونية ستكون الحكم لشغل موقع الرئيس لاحقًا، هل سيتم الاحتكام للنظام الداخلي للمنظمة أم للسلطة الوطنية عبر القانون الأساسي كما تم بعد استشهاد القائد الراحل ياسر عرفات حيث حل رئيس المجلس التشريعي في حينه السيد روحي فتوح مكانه لمدة 60 يومًا اجريت بعدها انتخابات رئاسية وقد فاز بها في عام 2005 الرئيس محمود عباس.
يوجد ارباك في المشهد المؤسساتي الفلسطيني الأمر الذي يتطلب بدلًا من التقاطبات الحزبية سواءً داخل الحزب الواحد وهو بهذه الحالة الحزب الحاكم أي حركة فتح حيث هناك طموحات مختلفة عند الشخصيات القيادية بها لخلافة الرئيس أو بين حركة فتح وحركة حماس.
تعتبر حركة حماس أن رئيس المجلس التشريعي هو الذي من المفترض أن يتبوأ مركز الرئيس لمدة 60 يومًا كما حدث بعد وفاة القائد الراحل ياسرعرفات وهو بهذه الحالة رئيس المجلس التشريعي د. عزيز دويك على أن تجري الانتخابات للرئاسة ما بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
ويذكر بأن الرئيس محمود عباس قد قام بحل المجلس التشريعي في نهاية عام 2018 عبر المحكمة الدستورية وهناك أقاويل لتحويل صلاحياته الى المجلس المركزي الذي حصل على صلاحيات المجلس الوطني ايضًا وهذا لم تعترف به حركة حماس الى جانب العديد من القوى والفعاليات السياسية والمجتمعية.
ان ملئ موقع الرئيس في المرحلة القادمة وفي ظل حالة ارباك المشهد المؤسساتي سيعمق من حالة الانقسام وسيحوله إلى انفصال وذلك عبر الصراع على شرعية التمثيل حيث ستتمسك فتح في شرعية التمثيل من خلال مؤسسات المنظمة وستتمسك حماس بشرعية التمثيل من خلال المجلس التشريعي وسنصبح أمام مشهد جديد من الانقسام أكثر عمقًا مما هو سائد.
ان المخرج الملائم لحالة الارباك لمرحلة ما بعد الرئيس يتطلب العمل الفوري على ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وممكن أن يبدأ ذلك من خلال تكرار اجتماع الأمناء العامين كما حدث في 3/9/2020 والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر للانتخابات لكل من المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني أو أن يتم الاتفاق على الذهاب للانتخابات مباشرةً بإشراف لجنة الانتخابات المركزية.
ان تسجيل 93% من الأشخاص الذي لهم حق الاقتراع إبان المرسوم الرئاسي السابق الذي تم تجميده في 1/5/2021 اضافةً الى وجود 36 قائمة انتخابية معظمها غير حزبية يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية الهادفة الى استعادة وحدة هياكل وبنى النظام السياسي الفلسطيني كما يعكس الرغبة الجامحة بالديمقراطية عبر أداة الانتخابات الديمقراطية الحرة.
وعليه وحتى نستطيع مواجهة التحديات الاحتلالية فعلينا إعادة التأكيد على برنامج وطني وكفاحي متوافق عليه على أن تكون أداته ورافعته منظمة التحرير التي تعبر عن الجبهة الوطنية العريضة عبر إشراك الكل الوطني بها من خلال الانتخابات الديمقراطية الحرة.