لا يمكن لحكومة «الكوكتيل» العجيب أن تغطي على ضعفها وهشاشتها بعد فشلها المرة تلو الأخرى وخلال وقت قصير.
جرت العادة أن إسرائيل تستنفر كل أجهزتها وإمكانياتها الأمنية والشرطية لحماية الأمن الداخلي، حين تمر مناسبات مثل أعياد الفصح اليهودي، وذكرى ما يسمونه الاستقلال.
الحكومة وأجهزتها الأمنية والشرطية فعلت ذلك وجنّدت كل إمكانياتها، خصوصاً في ظل التوتر الشديد الذي يسود الأوضاع في القدس والضفة الغربية، لكنها تعرضت لفشل ذريع.
شابان فلسطينيان اخترقا كل المنظومات الاستخبارية والشرطية والأمنية، ونجحا في القيام بعملية في «إلعاد»، أدت إلى مقتل ثلاثة وإصابة آخرين.
لا ينتسب الشابان، إلى أي فصيل، ولم يكن معروفاً عنهما قيامهما بنشاطات ذات طابع سياسي، نجحا في تحويل احتفالات «الاستقلال» إلى ما يذكر الإسرائيليين بأن ما يعتبرونه استقلالهم قد تسبب في نكبة كبرى للشعب الفلسطيني.
يجدر بالإسرائيليين أن يتذكروا وأن يتعلموا أن احتفالاتهم الدينية والسياسية لا يمكن أن تكون على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته وحقوقه وعلى حساب دمه وعذاباته.
عملية «إلعاد» أحدثت صدمة قوية للحكومة كما للمجتمع الإسرائيلي الاستيطاني، من غير الممكن أن تستفيق منها لكثير من الوقت.
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدّعي أنها أحبطت الكثير من العمليات المحتملة خلال الأسابيع المنصرمة، وهي لا تزال تحذر من وقوع المزيد من العمليات، ما يعني أن الحبل سيشتد أكثر على رقبة حكومة «الكوكتيل»، إلى أن تسقط كأوراق الخريف.
بينيت الذي يشعر بأنه حقق طموحه الشخصي بأن أصبح رئيساً للحكومة وما كان ليحلم بذلك في أفضل أحلامه، ليس مهتماً بمصير الحكومة ولا هو مهتم بأن يكمل يائير لابيد الطريق، نحو تسلّمه رئاسة الحكومة ولذلك فإنه يبدي تهوراً شديداً في التفكير بكيفية الردّ والانتقام.
بغير حساب سياسي، وبما يعبّر عن ضعف التجربة، يصرّ بينيت على القيام بعملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة ، بدعوى أنها مبعث التحريض، ولكنه لا يعرف أن مثل هذه العملية سواء في الضفة أو غزة، دونها حسابات دولية وإقليمية، وأيضاً ارتدادات لا تخدم مصلحة إسرائيل بأي قدر، سوى إظهار العنجهية والرغبة في الانتقام الذي لا يفيد في شيء.
يتجاهل رئيس الحكومة، المستوطن بينيت، تقديرات ومواقف الجيش، والأجهزة الأمنية، ووزير جيشه، وعدد آخر من وزراء حكومته الذين لا يرغبون في ركوب مثل هذه المغامرة.
أسباب وعوامل كثيرة خارجية وداخلية، تمنع إسرائيل من القيام بعملية عسكرية واسعة في الضفة وغزة، بما في ذلك الإدارة الأميركية التي لا تنصح بالقيام بها، من واقع تقديرها أن مثل هذه العملية، ستعود على إسرائيل وحلفائها بارتدادات سياسية غير مرغوبة.
الأرجح أنه طالما تستمر الحرب في أوكرانيا، ويواصل «الناتو» وعلى رأسه الولايات المتحدة، التحشيد لها، فإن إسرائيل ستكون مقيدة لأن حرباً في الشرق الأوسط ستضع المجتمع الغربي في حرجٍ شديد.
في هذا السياق، أيضاً، تندرج عملية التحريض الواسعة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، يحيى السنوار، في سياق التعبير عن العجز، والغضب الأعمى.
إقدام إسرائيل على جريمة كهذه من شأنه أن يجرّ إلى حربٍ واسعة، لا مصلحة لإسرائيل في الإقدام عليها إذ ستكون الحكومة أول ضحاياها وذلك على أقلّ تقدير.
مع ذلك فإن على الإسرائيليين أن يتذكروا أن دولتهم، مارست عمليات الاغتيال لعددٍ كبيرٍ من قيادات الشعب الفلسطيني، ولكن ماذا كانت النتائج؟
لقد أقدمت إسرائيل على اغتيال الكمالين وأبو يوسف النجار، وأبو جهاد وأبو إياد وياسر عرفات، وغسان كنفاني، وأبو علي مصطفى، والشيخ أحمد ياسين ، والجعبري وأبو العطا وسعيد صيام والرنتيسي والشقاقي، فماذا كانت النتائج؟
هل توقف النضال الفلسطيني أم توقفت عملية ولادة قيادات جديدة؟
وفي الأساس هل يؤدي اغتيال قيادي فلسطيني إلى شيء سوى تغذية دوافع الانتقام؟
الحكومة الإسرائيلية مرتبكة، وغير قادرة على التفكير باتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات ومواقف يمكن أن تؤدي إلى تهدئة الأوضاع المتوترة، والقابلة لمزيدٍ من التصعيد.
ماذا ينتظر بينيت من الفلسطينيين حين تقرر حكومته بناء أربعة آلاف وحدة سكنية استيطانية، وماذا ينتظر حين تقرر هدم اثنتي عشرة قرية فلسطينية في مسافر يطا وتشريد نحو أربعة آلاف فلسطيني؟
بينيت يعلن أن إسرائيل ستتخذ القرارات المتعلقة بالقدس دون أي اهتمام باعتبارات خارجية.
واضح أن بينيت وحكومته، يواجهون ضغوطاً واضحة من قبل المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، فضلاً عن الوضع الإقليمي، الذين يرفضون السياسة والإجراءات الإسرائيلية في القدس وفي مجال الاستيطان.
يجرؤ بينيت على إعلان هذا التحدي، ويجرؤ، أيضاً، مورت كلاين الرئيس الوطني للمنظمة الصهيونية في أميركا، على شنّ حملة تحريض، على تعيين بايدن السيدة جان بيير ناطقة صحافية باسم الإدارة الأميركية، والتي يتهمها كلاين بمعاداة السامية وإسرائيل وتأييد الإرهاب.
هكذا تتزايد المؤشرات على المزيد من التناقضات الأميركية الإسرائيلية، ما يستحق المتابعة.
إسرائيل تختنق بسياساتها العنصرية، والاحتلالية المتطرفة، ما يوجب الحذر.