تتمترس دولة الاحتلال الإسرائيلي خلف استراتيجيتها ومواقفها العدوانية وسياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ومع توقف إطلاق النار في شهر آيار/ مايو الماضي لم تغير من استراتيجيتها تجاه القطاع.
وهي تستهدف جميع مكونات المجتمع الفلسطيني، وكان قرار وزير الأمن الإسرائيلي بين غانتس قرار بإعلان 6 منظمات من المجتمع المدني الفلسطيني منظمات "إرهابية"، تطبيقا عمليات لاستمرار استراتيجيتها وبهدف إضعاف المجتمع الفلسطيني وخاصة هذه المنظمات، وعرقلة عملها لابطال نفوذها بشكل كامل على الساحة الدولية.
إستراتيجية الاحتلال تجاه قطاع غزة، وإعلان منظمات المجتمع المدني الست يعكس السياسة الحقيقية لما تسمى حكومة التغيير تجاه الأراضي المحتلة. ويظهر ذلك أنها لا تختلف جوهرياً عن سياسات حكومات نتنياهو، إنما هي أخطر على الفلسطينيين. فهذه السياسة ترسخ الواقع والحقائق على الأرض من خلال تعزيز المستوطنات وإطلاق يد المستوطنين الذين يمارسون العنف والإرهاب ضد الفلسطينيين، وإستخدام المستوطنين للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
يظهر ذلك أن إستراتيجية دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة واحدة، وإن اختلفت الأدوات، فحكومة الاحتلال تقوم بتنفيذ سياسة اقتصادية تحت مسمى التسهيلات، هدفها تحسين المستوى المعيشي، في غزة لفرض تهدئة طويلة وبشروط وقيود جديدة قديمة والإبقاء على الحصار وفصل غزة عن الضفة.
والسياسة ذاتها تنتهجها في الضفة والهدف منها تطبيع الحياة تحت الاحتلال خاصة، والتسويق لها محلياً ودولياً بأن الاحتلال يوفر النمو الاقتصادي والازدهار للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وهي وسيلة لمنع الفلسطينيين من ممارسة حقهم في المقاومة حتى المقاومة السلمية. وهذه السياسة هي رؤية رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت بما يسمى تقليص الصراع الذي يعتبر الازدهار الاقتصادي بديلاً عن حق تقرير المصير وإقامة الدولة.
في الوقت ذاتها نرى أن هناك شبه إجماع داخل حكومة الاحتلال على هذه السياسة، وتمارس الأحزاب الصهيونية "اليسارية"، الصمت بما فيها القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس الشريك في الائتلاف الحكومي.
الأمر الذي يشير إلى إستقرار هذه الحكومة، وغياب المعارضة الحقيقية والنقد الداخلي من فلسطيني الداخل والدولي أيضاً، وهذا ما نشاهده في عنف وقمع الاحتلال وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، ومحاولة الاستفراد بها وفي قطاع غزة. حتى الانتقادات الدولية هي خجولة وبدون أسنان، وهذا يشجع حكومة الاحتلال على استمرار الاحتلال والاستيطان ومواصلة قمعه وإرهاب المستوطنين.
في هذه الأثناء تتصاعد المقاومة في الضفة الغربية بأدوات مختلفة شعبية ومسلحة بعض الأحيان، في ظل غضب الفلسطينيين، وتوتر الأوضاع في الضفة الغربية ضد ممارسات الاجهزة الامنية الفلسطينية ضد المعارضين والمحتجين على سياسات السلطة الفلسطينية، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها السلطة، وتظهر بوادر ضعف في سيطرة السلطة في الضفة.
وعلى جبهة قطاع غزة يزداد التوتر وفرص التصعيد قائمة خاصة وان لم يحصل اي تقدم في التهدئة أو صفقة تبادل اسرى، ودولة الاحتلال تماطل في عملية إعادة الإعمار، وتفرض شروط جديدة قديمة.
بل رفعت من مستوى التهديد بإرسال رسالة لحركة حماس عبر الوفد المصري الذي زار غزة مطلع الأسبوع الجاري، باغتيال عضو المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري المسؤول عن ملف الضفة الغربية حيث تحمله دولة الاحتلال بالمسؤولية عن العمليات المسلحة في الضفة الغربية والقدس،ضد الجنود الإسرائيليين والمستوطنين.
في تقرير نشر أمس لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، تناول فيه امكانية التصعيد وقدرات حركة حماس، وأنها أفضل مما كانت عليه قبل التصعيد في آيار/ مايو الماضي، وأصبحت عدوا أكثر خطورة، وتعمل بإستراتيجية مزدوجة تتمثل في الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة إلى جانب إنشاء بنية تحتية عسكرية في الضفة الغربية وجنوب لبنان واستخدام الإرهاب ضد إسرائيل.
ويضيف التقرير أن هذا هو الوقت الذي يجب أن تأخذ فيه إسرائيل زمام المبادرة، لإلحاق ضرر مستمر وقاتل بالبنية التحتية العسكرية لحماس في جميع ساحات عملياته.
منذ توقف إطلاق النار على إثر العدوان الاخير على القطاع، والشعار الذي رفعته مستويات سياسية وأمنية إسرائيلية بأن "ما سيكون ليس ما سيكون"، وتمترست خلف شروطها، والتأكيد عليها بعودة الاسرائيليين الأسرى لدى المقاومة، وتربط دولة الاحتلال التسهيلات، وما يسمى إعادة تأهيل قطاع غزة وتحسين الواقع الإنساني بهذه الشروط.
وتدعي أن حماس كانت تعمل على تهدئة الأوضاع في القطاع، وتمكنت من إعادة تأهيل البنية التحتية العسكرية وتطوير قدرات مقاتيلها وعتادها العسكري، ودقة الصواريخ الثقيلة والطائرات بدون طيار والقوة البحرية. إلا أنها غيرت من سياستها وتوجهت بثقل إلى الضفة الغربية، وتحملها دولة الاحتلال المسؤولة عن تسخين جبهة الضفة الغربية.
وهي لا تعمل فقط على توفير الهدوء الأمني في غزة، لكنها غيرت من سياستها وعلمت على بناء بنية تحتية في الضفة الغربية لتنفيذ أعمال مقاومة ضد الاحتلال في الضفة والقدس.
على ضوء ذلك فإن دولة الاحتلال تنظر بخطورة لما يجري في الضفة الغربية، وما ومحاولات الفصائل خاصة حماس التي تسعى لتمكين قوتها في مواجهة الاحتلال، من جهة لترسيخ قوتها في الضفة، ومن جهة اخرى للضغط على دولة الاحتلال للاستجابة لفكفكة الحصار وإعادة الإعمار. ومن جهة أخرى الضغط على الاحتلال لوقف سياسته العدوانية ضد الفلسطينيين بشكل عام بما فيها ضد الأسرى.
قد تكون أهداف وسياسة حماس إحراج السلطة والضغط عليها في الضفة والقول انها قادرة على فرض شروطها على السلطة، وأنها القادرة على تمثيل الفلسطينيين يمنحها ذلك شرعية أكثر.
وفي ظل التهديد الإسرائيلي بشن عدوان جديد على قطاع غزة، والأوضاع الكارثية التي يعيشها الفلسطينيون في الضفة وغزة، وتعميق الانقسام وغياب إستراتيجية فلسطينية لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، دولة الاحتلال مستمرة باستراتيجيتها العدوانية الاستيطانية، واشغال الفلسطينيين بهمومهم الداخلية، والاستفراد بكل طرف على حدة.
ما يسهل عليها مهمتها في ابتلاع مزيد من الأراضي وارتكاب مزيد من الجرائم بحقهم، وقد تستفرد بقطاع غزة سواء بعملية عسكرية أو استمرار الحصار بشكل اكثر، وفي الوقت نفسه التسويق بانها تقوم بمسؤوليتها في تسهيل حياة الفلسطينيين.