يعكس القرار البريطاني بتصنيف حماس، بما فيها جناحها السياسي، حركة إرهابية، حالة القلق لدى الجهات النافذة ولدى اللوبي الصهيوني من تصاعد التأييد الشعبي في بريطانيا لقضية فلسطين، ومن حالة التعاطف والتَّفهم المتزايد التي لقيتها المقاومة، خصوصا بعد معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021. فقد شهدت بريطانيا عشرات الفعاليات القوية والواسعة المؤيدة لفلسطين، ووصل عدد المتظاهرين في إحداها في لندن إلى نحو 200 ألف. كما أشارت استطلاعات الرأي إلى تراجع كبير في مكانة "إسرائيل" لدى البريطانيين ولدى الأوروبيين بعد تلك المعركة.
ومن ثم، فهو يعكس حالة "التدافع" بين أغلبية حكومية وبرلمانية، يتراجع التأييد لها فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وبين حالة متصاعدة خصوصا في الأوساط الشبابية، باتجاه توسيع دائرة الدعم للشعب الفلسطيني، وتَجريم الكيان الإسرائيلي ورموزه، وحتى تأييد المقاومة. ويدخل في سياق محاولة "لجم" تصاعد العداء الشعبي للكيان الإسرائيلي، وتعطيل الفعاليات التي تجري على الأرض، وتفضح الوجه البشع للكيان وممارساته ضدّ الأرض والإنسان في فلسطين المحتلة. وهو نابع من خوف متزايد من أن هذا التحول الشعبي المتدرج قد يتحول إلى أصوات انتخابية ضاغطة ومؤثرة على الأحزاب الرئيسية ومواقفها، ومن ثم الضغط باتجاه تغيير السلوك السياسي الرسمي لصالح فلسطين بدرجة أو بأخرى.
يعكس حالة "التدافع" بين أغلبية حكومية وبرلمانية، يتراجع التأييد لها فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وبين حالة متصاعدة، خصوصا في الأوساط الشبابية، باتجاه توسيع دائرة الدعم للشعب الفلسطيني، وتَجريم الكيان الإسرائيلي ورموزه، وحتى تأييد المقاومة
كما أن القسوة المبالغ بها في عقوبة من يخالف القرار؛ تشير إلى رغبة الجهات الرسمية وحلفائها بمحاولة قطع الطريق، إن لم يكن "اجتثاث" المسار الداعم للمقاومة؛ إذ إن مخالفة القرار ولو بمجرد الاجتماع مع شخصيات من حماس، قد يعرض المخالف إلى الاعتقال والمحاكمة والسجن حتى 14 عاما.
في المقابل، فقد استفادت الحكومة البريطانية من الوضع المريح الذي وجد فيه اليمين البريطاني المحافظ واللوبي الداعم للكيان الإسرائيلي نفسه في مجلس العموم البريطاني؛ حيث فاز حزب المحافظين بأغلبية كبيرة في الانتخابات الأخيرة لأسباب معظمها داخلية (خصوصا الخروج من الاتحاد الأوروبي) ولا علاقة لها بالشأن الفلسطيني، وكذلك التغيير الذي حدث في حزب العمال، بعد الانتخابات، الذي أدى إلى تولّي قيادة جديدة داعمة للصهيونية بلا قيود. وقد تماهى مع هذا الاتجاه حزبان كبيران آخران هما الحزب القومي الأسكتلندي والحزب الليبرالي الديمقراطي. ولذلك، فقد اتخذ القرار في مجلس العموم دون تصويت، بحضور 30 نائبا من أصل 650، ولم يعترض أحد، ومن ثم، لم تتم مناقشته. ولعل في ذلك إشارة إلى أن الأحزاب السياسية ليست منقسمة ضد حماس، وإن كانت منقسمة حول حلّ الدولتين.
من ناحية أخرى، يأتي القرار البريطاني لملء الفراغ القانوني الذي أحدثه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ حيث كانت بريطانيا تحت السقف الأوروبي الذي يصنف حماس على قوائم "الإرهاب" منذ سنة 2003. غير أن القرار البريطاني جاء أشد قسوة، بالنظر إلى المقاربات التي يعتمدها حزب المحافظين، والنفوذ اليهودي الصهيوني الكبير، بالإضافة إلى وجود بُعد شخصي مرتبط بوزيرة الداخلية المتصهينة "بريتي باتيل"؛ التي كانت قد أقيلت من عملها وزيرة للخارجية للتنمية الدولية سنة 2017، عندما تورطت في فضيحة عقد اجتماعات غير مصرَّح بها مع قيادات إسرائيلية.
ولا شكّ أن هذا القرار قد أسهمت فيه بيئة الضعف والتشرذم العربي والإسلامي، والهجمة العربية لعدد من الأنظمة الرسمية نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما يجعل ظهر المقاومة مكشوفا مقابل هكذا قرارات.
هذا القرار قد أسهمت فيه بيئة الضعف والتشرذم العربي والإسلامي، والهجمة العربية لعدد من الأنظمة الرسمية نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما يجعل ظهر المقاومة مكشوفا مقابل قرارات كهذه
من جهة ثالثة، فإن القرار البريطاني يتصف بالتَّسرع؛ لأن بريطانيا (التي لم تصنف الحوثيين ولا طالبان كحركات إرهابية) تُخرج نفسها رسميا وعمليا من أداء أي دور إيجابي تجاه قضية فلسطين. وقد سبق لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير أن اعترف بأن قرار حكومته بتجريم الجناح العسكري لحماس سنة 2001 لم يساعد في إحلال "السلام"؛ بينما عبر وزير داخليته في ذلك جاك سترو عن ندمه على اتخاذ هذا القرار.
إن المسار العام للأحداث، وتصاعد قوة حماس في الإطار الشعبي الفلسطيني، واستمرار التعاطف الشعبي، بل وتزايده عربيا وإسلاميا ودوليا، خصوصا عندما يتصاعد العمل المقاوم والمواجهات ضد الاحتلال؛ وضعف القيادة الفلسطينية الرسمية، وتراجع شعبيتها وفقدانها للثقة والمصداقية؛ ومن ثم تصدُّر حماس للمشهد الفلسطيني سيفرض على البريطانيين والأوروبيين، عاجلا أم آجلا، مراجعة قراراتهم.
ونظرا لأن القضية الفلسطينية هي الأكثر حساسية على المستوى العالمي، وهي أساس حالة اللااستقرار في المنطقة العربية؛ ولأنها سبب أساس في غضب وتثوير الشعوب العربية والإسلامية، وعنصر رئيس ملهم لوحدة الأمة وتوجيه بوصلتها؛ فإن قوى المقاومة وفي مقدمتها حماس، ستفرض أجندتها في البيئة الدولية، على الأقل على المدى الوسيط، وهو ما سيضطر القوى الدولية بمن فيهم البريطانيون؛ لفتح قنوات تواصل مع الممثلين الحقيقيين لإرادة الشعب الفلسطيني.
ذلك لا يعني ألا تبذل قوى المقاومة جهودها لدعم أي مسارات قانونية لنقض القرار البريطاني. كما أن عليها تطوير خطابها السياسي القوي وتفعيله في البيئة الدولية، وتحشيد المناصرين للقضية الفلسطينية، والعمل على تفويت الفرص على حشرها في زاوية الاتهامات، وأخذ بعض الاحتياطات القانونية اللازمة، دون أن يؤثر ذلك على جوهر عملها المقاوم
إن شرعية حركات المقاومة، ومن بينها حماس، تنبع من الشرعية الطبيعية والقانونية في مقاومة الاحتلال وإزالته، وهي لا تحتاج إذنا من أحد. كما لا يُضيرها وجود قوى دولية متواطئة مع الاحتلال، بل وأسهمت سابقا في إنشاء كيانه وتثبيته، وتسببت بكوارث للشعب الفلسطيني. كما أن شرعية المقاومة تنبع من بيئتها الشعبية المناصرة لها، ومن وقوف الأمة إلى جانبها.
غير أن ذلك، لا يعني ألا تبذل قوى المقاومة جهودها لدعم أي مسارات قانونية لنقض القرار البريطاني. كما أن عليها تطوير خطابها السياسي القوي وتفعيله في البيئة الدولية، وتحشيد المناصرين للقضية الفلسطينية، والعمل على تفويت الفرص على حشرها في زاوية الاتهامات، وأخذ بعض الاحتياطات القانونية اللازمة، دون أن يؤثر ذلك على جوهر عملها المقاوم وتصعيده ضد الاحتلال، ودون التنازل عن أي من الثوابت المتعلقة بقضية فلسطين.