حان الوقت، لكي يتخذ الفلسطينيون قرارات حاسمة بشأن كل مجرى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. هكذا قال الرئيس محمود عباس من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل شهرين. صبْر الفلسطينيين أخذ بالنفاد وأمام إسرائيل عام واحد حتى تنهي احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. الخطاب موجه لإسرائيل، لكن الرئيس يعرف بأن دولة الاحتلال ليست في وارد التفكير، مجرد التفكير، في هذا التحذير، ولذلك فإن الرسالة الحقيقية موجهة للمجتمع الدولي، وللولايات المتحدة على وجه الخصوص.
من المحال استمرار الحال، إذ تتمادى اسرائيل في مخططاتها الاستيطانية والعنصرية التوسعية، في مواجهة أغلبية ساحقة من دول العالم التي تصوت الى جانب الحق الفلسطيني بالمزيد من القرارات. هنا مكمن المشكلة، ذلك أن أغلبية دول العالم التي تقف مع القانون الدولي والحقوق الفلسطينية، لا تستطيع أن تفرض قراراتها بسبب القلة القليلة من الدول التي تتحكم في آليات عمل المنظمة الأممية.
من الواضح أن الولايات المتحدة، هي صاحبة القدرة على تفعيل قرارات الأمم المتحدة حين تريد، لكنها تقف بالباع والذراع الى جانب الدولة التي تتحدى العالم وقراراته وإرادته. تصبح الأمم المتحدة مشلولة كما هو حال الجامعة العربية، التي لا يتعدى دورها إصدار البيانات والقرارات، ومراكمة المزيد منها، حتى لو ان ذلك يؤدي الى زعزعة الاستقرار والسلام العالمي، طالما ان مصالح الحلف الأميركي الإسرائيلي لا تتضرر من ذلك، او هكذا يعتقدون.
أرادت الولايات المتحدة، ضبط النفس، والحفاظ على الهدوء ومنع أسباب التصعيد، واردات من اسرائيل التعاون الايجابي لتحسين الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة ، على حد سواء. نظرياً استجابت اسرائيل واتخذت بعض الإجراءات المحدودة.
ولكنها تواصل سرقة أموال الفلسطينيين، وإضعاف السلطة، وتكثيف الاستيطان، وتهويد القدس وهدم المنازل، وتعطيل عملية اعادة الاعمار، وإفشال الدور المصري الذي حصل على دعم المجتمع الدولي، لمعالجة الملفات، التي يمكن أن تقود إلى تفجير الأوضاع.
نعلم أن الولايات المتحدة، غير راضية عن المخططات الاستيطانية لكن اسرائيل تتخذ قرارات، وتقوم فقط بتأجيلها، تماما كما يحصل مع ملف حي الشيخ جرّاح. على الأرض ولمن لا يرى فإن إسرائيل تمارس تصعيداً غير مسبوق في الضفة الغربية، التي تشهد اشتباكات على كل المحاور تقريباً.
المواقع الإخبارية لم تعد تجد أخباراً إلا ملاحقة أخبار الاعتقالات، والمداهمات، والاعتداءات والاستفزازات، واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، واخبار اسرى الحرية ونضالاتهم ضد السياسات القمعية التي يتعرضون لها. على جبهة غزة، تحتفل اسرائيل بإكمال السياج الفاصل بطول خمسة وستين كيلومتراً، هي كل محيط القطاع، وبالتالي تقفل قطاع غزة على سجن حقيقي كبير، وتعتقد ان بإمكانها ان تشتري الهدوء لفترة طويلة مقابل تسهيلات محدودة، يمكنها التراجع عنها في أي وقت.
تقول اسرائيل انها وافقت على منح تصاريح لعشرة آلاف تاجر من قطاع غزة، لكن مراقبة ارقام المغادرين عبر معبر بيت حانون تشير الى أن من استفادوا من ذلك لا يتجاوز عددهم الخمسة آلاف. وتقول اسرائيل انها قررت زيادة المساحة المتاحة للصيد البحري الى اثني عشر ميلاً، لكنها لم تتوقف عن إطلاق النار على الصيادين وتدمير أو مصادرة قواربهم، واعتقالهم.
وزير الدفاع بيني غانتس يقول مؤخراً، بأنه سيعمل على تحقيق هدوء طويل المدى مع غزة، وإعادة الأبناء الذين تحتجزهم حركة حماس ، ولكن وبعد نحو سبعة اشهر على العدوان الإسرائيلي الأخير، وبالرغم من النشاط المصري المكثف، فإن المحصلة هي ان إسرائيل تريد تحقيق ما وعد به غانتس، مقابل الغذاء، وبعض التسهيلات الشكلية التي لا تؤثر في واقع الحياة لسكان القطاع.
هذه المراوغة، وفقدان الأمل، هي التي تقف خلف تصريحات القيادي في حركة حماس لقناة الجزيرة، والذي أدلى بتصريحات غاضبة بحق الوسيط المصري. الغضب من استمرار الاوضاع المتردية وتوقف العمل في عملية اعادة الاعمار، ورفع الحصار امر مفهوم، لكن تصريحات القيادي في حماس كانت مفاجئة، وتتجاوز طبيعة العلاقات الإيجابية بين حماس والفصائل، وبين مصر. كان من الطبيعي ان يتساءل أهل غزة، عما اذا كانت هذه التصريحات، تشير الى اقتراب موعد تفجير الأوضاع عسكرياً مع دولة الاحتلال، وما اذا كان هذا التصعيد مع مصر، سيؤدي الى تفاقم الأوضاع.
في الحقيقة، وليست المرة الأولى التي ينبغي على المواطن والمراقب أن يقيم حساباته على أساس أن دولة الاحتلال لا تحترم تعهداتها ولا تستجيب لأي وساطة، يمكن ان تتعارض مع مصالحها، ومصالحها في الواقع تتعارض مع ابسط المفاهيم والقيم الانسانية أو القانونية، او السياسية. ان كان ثمة احتمال لانفجار الوضع فسيكون هذه المرة ايضاً بمبادرة فلسطينية، ذلك ان اسرائيل تركز كل جهدها في هذه الفترة على الملف الايراني ولا ترغب في أن تنشغل بجبهة قطاع غزة.
اسرائيل لا ترغب في الانشغال بجبهة غزة الآن، ولكنها غير مستعدة لنزع الفتائل، وتغيير سياساتها تجاه القطاع، أو تسهيل مهمة الوسيط المصري. قضية حماس والفصائل ودوافعها للتصعيد لا تقف عند حدود الممارسات الاسرائيلية ضد قطاع غزة، وانما ترتبط ايضاً بما تقوم به في الضفة والقدس بشكل خاص، حيث تصعد إسرائيل إجراءاتها التوسعية والقمعية على نحو غير مسبوق. هذه الحقائق سواء الغضب الذي عبّر عنه الرئيس عباس، او الغضب الذي تعبر عنه فصائل المقاومة، واحتمالات التصعيد السياسي في الضفة والعسكري في غزة يفترض ان تدفع الولايات المتحدة، والدول الأوروبية للتحرك بجدية وفعالية، والا فإن عليها أن تتحمل النتائج قبل فوات الأوان.