فعلا، جاء مفاجئا أن يختار رئيس كيان الاحتلال الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل المحتلة ليضيء فيه شموع أحد أعياد اليهود، في محاولة أكثر من واضحة لاسترضاء جموع المستوطنين المتطرفين، الذين يشكلون عموما الوجه الحقيقي البشع لهذا الاحتلال، وعلى وجه الخصوص يمثل مستوطنو الخليل الصورة الأكثر قتامة عما يعنيه هذا الاحتلال من قتل وإرهاب وعنف بحق الفلسطينيين، أصحاب الأرض الأصليين.
عنصر المفاجأة أن هرتسوغ، رئيس الاحتلال، يسوق نفسه على أنه مما تبقى من معسكر السلام وحمائمه، وقد استطاع أن يحصل على صورته هذه بالنظر لتاريخه السياسي السابق، حين تزعم حزب العمل في فترة ما، وحاول أن يقدم نفسه وريثا لقادته السابقين أمثال إسحق رابين وشمعون بيريس، اللذين أبرما اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير، واتفاق وادي عربة مع الأردن، لكنه فشل في مسعاه الشخصي هذا، سواء بسبب تهاوي الحزب الذي أسس الكيان، وقاده لما يزيد على ثلاثين عاما، أو بسبب تنامي معسكر اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي تحطمت على صخرته كل آمال العمل واليسار بالنهوض من جديد.
في الوقت ذاته، ما إن تولى هرتسوغ منصبه الجديد، حتى بدأ يحاول استعادة طموحاته الشخصية للنهوض بعملية التسوية من جديد، وهو بذلك حاول تجاوز دوره كرئيس فخري شرفي، وفق النظام السياسي الإسرائيلي الذي يحرم الرئيس من أي صلاحيات سياسية ذات مغزى، لكنه أراد استنساخ نموذج بيريس الذي أراد الاستفادة من إرثه السياسي حين كان رئيسا للحكومة ووزيرا للخارجية، وأخذه معه إلى مقر رئيس الدولة، ولكن دون جدوى.
جديد هرتسوغ أنه بادر فور توليه منصب رئاسة الكيان لإجراء اتصالات غير مسبوقة مع رئيس السلطة الفلسطينية والملك الأردني والرئيس التركي، وحاول تسويق نفسه داعيا للسلام ومبشرا بتحقيقه بين الشعبين، ولعله نجح، مؤقتا، في بيع الوهم لعدد من قادة المنطقة في أنه يختلف عن المنظومة اليمينية الحاكمة برئاسة نفتالي بينيت وفريقه الوزاري.
لقد جاءت خطوة هرتسوغ المستفزة في إضاءة الشموع في قلب الحرم الإبراهيمي، ويحيط به عتاة المستوطنين، دليلا إضافيا على أننا أمام منظومة سياسية إسرائيلية تسعى لاسترضاء اليمين، ولو كان في شقه الاستيطاني الأكثر تطرفا، رغم أن هرتسوغ ناله قسط من هجوم اليمين عليه حين أجرى اتصالاته المشار إليها آنفا، لكن ذلك لم يحُل دون أن يقدم على هذه الخطوة التي لاقت رفضا إسرائيليا لدى بعض الأوساط القانونية والحقوقية التي رأت فيها تملقا غير مبرر لقطعان المستوطنين.