نزار بنات ناشط سياسي، ومرشح سابق للانتخابات التي ألغاها الرئيس محمود عباس بمبررات أثارت جدلاً واسعاً في الحالة الفلسطينية بين مؤيد للتأجيل (الإلغاء)، ومعارض.
لم يلقَ المحتوى الذي قدمه نزار بنات طوال الفترة الماضية حالة إجماع وطني فلسطيني، بل كان مثيرا للجدل في بعض مواده الإعلامية، ولكن في المجمل أيا كان المحتوى فإنه يندرج ضمن حرية الرأي والتعبير، وقد نص القانون الأساسي الفلسطيني المعدّل في مادته رقم (19) على أنه "لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن، مع مراعاة أحكام القانون".
الرسالة الأولى: إن كان نزار بنات خالف القانون فلماذا لم يتم اعتقاله وفقاً للقانون...؟ ثمة تفسيرات لذلك، فإما أن يكون المحتوى الذي تحدث به الناشط نزار بنات صحيحاً وحقيقياً، وعليه القانون معه، أو أن السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تمتلك عقيدة لا تؤمن بالقانون ويسيطر عليها منطق البلطجة والعصابات، وللأسف ولا أعمم هنا وأفصل بين أفراد الأجهزة الأمنية الذين هم من أبناء شعبنا الفلسطيني ومنهم الشهداء والأسرى والأبطال، وبين عقيدة أمنية تسللت لفكرنا السياسي وسلوكنا الاجتماعي رسم ملامحها وساهم في ترسيخها جماعات مصالح، ومال سياسي، وأجندات بعيدة عن الوطن والوطنية وهموم شعبنا وقضاياه، لاسيما وجوده تحت الاحتلال الإسرائيلي.
الرسالة الثانية: في استشهاد نزار بنات وحجم التعاطف والرفض للجريمة محلياً ودولياً، فقد وصفها البعض بأنها تحاكي جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لماذا كل هذا التعاطف...؟
ثلاثة أسباب تقف خلف حجم الرفض والإدانة لجريمة اغتيال المرشح السابق والناشط نزار بنات هي:
1. رفض شعبي يزداد يوماً بعد يوم لسلوك السلطة الفلسطينية وأداء قادتها، لا سيما المؤسسة الأمنية، وفقدان الثقة بهذه السلطة.
2. نزار بنات كان يعبر عما يجول في خاطر معظم أبناء شعبنا، ولأنه كان الأجرأ في طرح القضايا، أحبه شعبنا وتعاطف معه.
3. شكل الجريمة وتوقيتها، إذ ترى شريحة كبيرة من أبناء شعبنا أن هناك قيادة متنفذة تمسك زمام الحكم والسلطة، ولا تريد لأي طرف أن يشاركها، وهذه الحالة هي أحد أسباب بقاء الانقسام، وفشل استثمار وتوظيف معركة سيف القدس بما يحقق مصالح شعبنا الفلسطيني.
الرسالة الثالثة: تداعيات جريمة اغتيال نزار بنات، إذ يراهن قاتلوه على أن الرأي العام قد يثور ليوم أو يومين، ثم يُصنع حدث هنا أو هناك، وتنتهي الحكاية، وترتاح السلطة من صوت نزار ونهجه الثائر المؤثر.
ولكن ما لا تعلمه قيادة السلطة أن الفكر يواجه بالفكر، والكلمة تواجه بالكلمة، والفيصل هو القانون، وأن قتل نزار بنات دفع غالبية شعبنا لمتابعة ما كان يقوله، أي أن فكر نزار انتشر كالنار في الهشيم، وأهم انعكاس لذلك تآكل شرعية السلطة وقادتها داخلياً وخارجياً، بما يعني أن هذه السلطة أمام خيارات صعبة تتمثل في ابتزازها سياسياً وأمنياً من الاحتلال مقابل البقاء واستمرارية تدفق المال الخارجي، أو سقوطها، ولا يوجد مخرج الآن إلا باستعادة فتح لمكانتها ودورها عبر العمل الجاد والحقيقي لإنجاز انتخابات داخلية تفرز قيادة جديدة تنسجم ومتطلبات المرحلة، وتقصي جماعات المصالح التي أساءت لفتح وتاريخها النضالي، وأضعفت مكانتها في معادلة الفعل السياسي، وهذه الخطوة هي مقدمة لانتخابات عامة تهدف لترسيخ مبادئ الشراكة السياسية، وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وبناء إستراتيجية وطنية يتفرغ من خلالها شعبنا لمواجهة الاحتلال الصهيوني.
رحم الله نزار بنات، وبإذن الله تصبح روح نزار مدخلاً للوحدة الوطنية وتصحيح المسار، ورفض كل أشكال الاعتقال السياسي، وإصلاح القضاء، وإعادة بناء أجهزتنا الأمنية على أسس وعقيدة وطنية تهدف بالدرجة الأساسية لحماية المواطن ومواجهة الاحتلال وتهديداته.